بوصلة أخلاقية مفقودة

TT

أسوأ ما سمعناه في الفضائيات العربية منذ اعتقال صدام حسين هو ذلك الذي يعتبر اعتقال صدام حسين «اهانة للكرامة العربية»، بل ان بعضهم وصل ا لى درجة اظهار الطاغية بمظهر البطل والزعيم العربي المخلص و«الرمز» الذي تفخر به الأمة!

يتساءل المرء بكل الم عن استمرار العقل العربي في عبادة الاوثان البشرية. الى متى تمجيد الطغاة والمستبدين وتصويرهم بصورة المخلصين والقادة لهذه الامة التي يسلمها كل جلاد الى جلاد آخر وهي تضحك راضية مرضية؟!

هل نحن امة لا تتعلم من تجربتها ومن تجربة غيرها خطر الحكم الفردي والشمولي، وخطورة الزعيم الواحد والحزب الواحد والفكر الواحد؟ ألا تكفي كل هذه المقابر الجماعية لتصحو عقول بعضنا؟ ألا يكفي افقار بلد عربي غني بتاريخه وشعبه وموارده وتحويله الى شعب مشرد خارج وطنه بالملايين يموت في شاحنات التهريب في حدود الدول الاوروبية او على ظهر سفن يحاول بواسطتها البحث عن مكان آمن؟ ألا يكفي هذا الفقر المخيف الذي شاهدناه في مدن وقرى العراق بلد النفط والغاز والانهار ورز العنبر؟!

كان اجدادنا كما تقول الروايات يصنعون آلهتهم من التمر قبل الاسلام فاذا جاعوا أكلوها، فما بالنا بعد كل هذه السنوات والقرون نصنع الهة جديدة مزيفة من البشر ونصفق لها حتى تصدق هذا التصفيق ثم تستدير علينا فتأكلنا وتشرب من دمائنا وتحولنا الى مشردين او عبيد او مصفقين؟!

كيف يتجرأ انسان يعتبر نفسه مثقفاً وصحافياً لامعاً على ان يقول ان صدام لم يكن ديكتاتورا ولم يكن قاتلاً؟ كيف تستقبل عجائز العراق اللواتي ثكلن بسبب المقابر الجماعية والحروب العدمية مثل هذا الكلام؟ وأية اساءة للعروبة واساءة للامة ان يخرج بعض ارامل عائلة صدام حسين على الفضائيات ليمتدحن القاتل المحترف على مرأى ومسمع الضحايا!

هل فقد بعضنا بوصلته الاخلاقية وروح الانسان فيه وروح التعاطف مع البشر، وان يغلف كل ذلك بغلاف من الشعارات القومية والاسلامية. هل نحن امة تعشق الطغاة؟ سؤال محزن!