ثرثرة في حضرة.. القهوة والشاي.. والحرية..!

TT

متأثرا بازدهار غرف الدردشة على الانترنت في الصين قمت بتجربة الاسبوع الحالي لاختبار حدود حرية الكلام.

ففي عدد من غرف الدردشة هذه حاولت ارسال رسالة بالصينية ومن شخص يبدو صينيا عاديا يتساءل: «لماذا يقوم رئيس الوزراء وين جياباو بزيارة الى أميركا متذللا للامبرياليين بينما يتعين عليه أن يجد حلولا للمشكل الأكثر أهمية في الوطن».

وكان ذلك خاضعا للرقابة. حاولت ثانية وقد خففت ما طرحته، ومرة أخرى كان نصيبه الحظر. ولهذا كانت نسختي الثالثة أكثر تواضعا: «كانت زيارة رئيس الوزراء وين جياباو الى أميركا في غاية النجاح، ولكنني أتساءل عما اذا كان ربما يبدد الكثير من الوقت في الخارج بدلا من التركيز على مشاكلنا الهامة مثل البطالة».

وقد انتهى ذلك الى ما يسميه الصحافيون الصينيون «كابيانكيو»، ارتباطا بكرة المنضدة التي تحز زاوية المنضدة : أمر مشروع بشكل ما. ولم يتدخل موظفو الرقابة وأفلحت في ارسال ذلك التعليق الى ثلاث من غرف الدردشة.

وهكذا فتلك هي حدود حرية الكلام في الصين في عصر المعلومات، وهي تعطي تقدما حقيقيا. ومن المؤكد أن شرطة الفكر يرمون منشقي الانترنت في السجن حيث يوجد الآن 66 صحافيا صينيا خلف القضبان، وبعضهم يواجهون الضرب والتعذيب. غير أن هذا يظل المرة الأولى منذ سنوات الثمانينات التي تتوفر لدى الصينيين بها منتديات عامة يمكنهم فيها أن ينتقدوا «بصورة مخففة جدا» كبار زعماء البلاد بالاسم. ويقف امبراطور الصين الجديد، الرئيس هيو جينتاو على قمة هذه المنطقة الشفقية ويبذل كل جهوده، بنجاح محدود، لاقناع السكان بأنه نمط جديد من الزعماء.

ويتأثر معظم الصينيين الذين أتحدث اليهم الى حد كبير بهيو ووين اللذين يظهران تواضعا وعطفا مختلفا تماما عن أبهة الامبراطور السابق جيانغ زيمين. وتقديري أن هيو ووين سيفوزان بانتخابات حرة اذا ما جرت مثل هذه الانتخابات. ويجري تصوير هيو ووين على نحو لا يلين وهما يتحسسان آلام الفقراء والمظلومين. والأهم أنهما شرعا بمعالجة الايدز بطريقة جدية.

غير أنني أشعر، وانا أسافر عبر أنحاء الصين بالخشية من أن استراتيجية الزعماء ستفشل وتؤدي بالتالي الى انتفاضات في السنوات المقبلة. والسبب يعود الى أن الصين قد عملت الى درجة معينة، على الدوام، اعتمادا على الخوف الذي راح الآن يتآكل.

ولا يحتج الصينيون عندما يكونون في غاية الضيق وانما عندما يتمكنون من القيام بفعل دون التعرض الى عقاب. وقد كان ذلك صحيحا في كل انتفاضة من انتفاضة الزهور المائة عام 1956 حتى حركة الديمقراطية في تيانامين عام 1989.

ان الصين لم تعد شيوعية. انها تشبه، على نحو متزايد، ذلك النمط من المجتمع المعقد «والفاسد» الذي أدى الى الاضطراب في كوريا الجنوبية وتايوان في أعوام السبعينات والثمانينات. وقد انفتحت أحدى النوافذ على قيم البلد المتغيرة في الخريف الحالي عندما تزوجت هيو هيكنغ، ابنة الرئيس هيو، من ماو داولين، وهو أحد رأسماليي الانترنت البارزين، وذلك في جزر الهاواي.

ان الحكومة تفقد السيطرة، ببساطة على الصين التي يوجد فيها الآن 78 مليون متصفح للانترنت و250 مليون هاتف جوال. ومن الصحيح القول ان لدى الطبقة الوسطى، في الوقت الحالي، حصة في النظام. وقد تشعر بالقلق من حركات جماهيرية على نمط حركة تيانامين، ولكن هناك أيضا مظالم عميقة خصوصا في أوساط الفلاحين والعمال.

ومن الطبيعي ان انحسار الخوف موضع ترحيب ولكنه سيعني أيضا طريقا مليئا بالمطبات. وفي مدينة في منشوريا توقفت في مطعم صغير وطلبت فنجانا من القهوة. وسألني النادل ما اذا كنت أرغب في قهوة نسكافه أو قهوة مكسيم.. ولم أستطع تجنب الاحساس بأنه عندما يحصل الناس على خيارات متعددة في طلب فنجان من القهوة فان المسألة ليست سوى مسألة وقت قبل أن يطلبوا خيارات في قضايا السياسة في البلاد.

ولهذا أعتقد أن الهدوء الطويل الذي أعقب تيانامين يصل الى نهايته. ومرة أخرى تأتي أزمنة مثيرة الى الصين.

* خدمة «نيويورك تايمز»