فقدان الهوية المزعوم

TT

«لا شك ان هناك بلدانا عربية فقدت الكثير من الهوية بسبب فتنتها ببريق الحضارة الغربية الى ان اكتشفت ان البريق ما هو الا سراب».

هذا رأي احد المسؤولين في الخليج في حديث له نشر قبل ايام مفاخرا بالتحصين ضد الغزو الثقافي، ولاعنا العولمة ومدعيا ان احدا لن يغير مناهجه.

اعتدنا على ترديد المسؤولين اسطوانات مشروخة لا اظن انهم يسمعون صداها او يدققون في معانيها: غزو ثقافي، العولمة، التحصين... الخ. ولو سألنا احدهم عن معنى العولمة لاهدانا جملة مطاطة عامة.

وما اتهام المسؤول التربوي دولا عربية بانها فقدت الكثير من هويتها بسبب غرامها بالحضارة الاجنبية إلا مثال صارخ على الكلام الشعبي الاستهلاكي، ليس فارغ المعنى فحسب بل هراء يوجع الرأس كذلك.

فأين هي البلدان العربية المنزوعة الهوية، واين هي البلدان العربية الكاملة الهوية؟

ولو اردنا ان نقيس نجد ان الخليج ليس افضل المناطق العربية.

وان كان المعني هنا لبنان مثلا، أليس هو منبع الطروحات العروبية ومنه صدرت دواوين العربية ومعاجمها.. اليس هو الافضل في مستويات تعليمه وتطوره النوعي؟

وان كان المقصود الاردن، اليس هو مصدر المعلمين والمهندسين والمحاسبين الذين تراهم بكثرة في الخليج؟ وان عني التربوي تونس، هل يعرف دولة عربية اكثر انسجاما في تطورها مع تراثها وامكانياتها؟ وبالتأكيد لا اظنه يرمي مصر بالدولة المنزوعة الهوية!

ولا يحق للخليج أن يفاخر بتراثه فقط لانه يعتمر الغترة ويلبس الثوب. نعم الخليج محظوظ بثروته واستقراره لكن له من العيوب ما لا يقل عن احد في محيطه العربي. ويعرف المربي الكبير ان اكثر الدول العربية استقبالا وانصهاراً مع «العولة» هي الخليجية، ربما لا اراديا.

في الخليج يعمل بحر من الجنسيات بثقافاتها من 120 دولة، وهي عولمة واختلاط لا تجده حتى في الغرب. وعدد المدارس المتعددة الاصول والجذور تجدها في الخليج اضعاف عما هي في الاردن او لبنان او تونس. وتزدحم السوق بالبضائع والعمالة من عوالم الدنيا كذلك. واكثر دول المنطقة استقبالا وارسالا للثقافات العالمية هي دول الخليج كونها اكبر مستخدم للانترنت والبريد الالكتروني.

فالاختلاط الثقافي ليس بنقيصة، وان كان هذا تفسير كلمة «العولمة» الغامضة، ولا الانفتاح الاقتصادي بكارثة بل يعبر عن ثقة ونجاح داخلي.

واذا كان التقوقع هو في نظره انجازاً محلياً عظيماً فعليه ان يعيد قراءة حساباته الداخلية باشكالاتها الارهابية والضعف العلمي والنقص الابداعي والعجز التوظيفي.

لهذا فمحاولة تمجيد التخلف باسم التحصين تجاوز للحقائق كما هي على الارض. واذا كان للخليج ان يفخر فليفخر بانفتاحه على العالم وقدرته على التأقلم بثقافته مع الثقافات الاخرى، فهو يلبس الثوب العربي ويتحدث اللغات العالمية ويسافر اكثر من غيره الى ارجاء الدنيا.