عام التصفية النهائية للنشاز الدولي؟

TT

«دومينو» الشرق الاوسط يتهاوى، دولة تلو الاخرى، في مواجهته الخجولة للاولوية الاستراتيجية للولايات المتحدة، اي محاربة «الارهاب الدولي» وفق التوصيف الانتقائي الاميركي لهذا الارهاب.

من العراق الى ايران الى ليبيا الى سورية ولبنان... شهد عام 2003 تكريس الاولويات الامنية الاميركية مسلمات على حساب اي قضية قومية أو اي مشكلة إقليمية أخرى بحيث يبدو عام 2004 وكأنه عام التصفية النهائية لاي نغمة «نشاز» اقليمية عن المعزوفة الاميركية الدولية.

ومشكلة العام 2004 انه سيكون عام جني الرئاسة الجمهورية في واشنطن للحصيلة الانتخابية لحربها على الارهاب، وعام انتخابات يخوضها الاميركيون في وقت تحولت فيه الولايات المتحدة الى الدولة الاكثر إثارة للتساؤل عن حدود «المدى الحيوي» لزعامتها الآحادية واستطرادا لماهية الضوابط الممكن أن تحد من تفردها بالقرار الدولي.

من المرجح ان تبقى الولايات المتحدة دولة الاقتصاد الاكثر ازدهارا ودولة القوة العسكرية الاكثر جبروتا الى عدة عقود مقبلة... وفي الوقت نفسه الدولة الاكثر مديونية في العالم والدولة المضطرة لان توظف سعر صرف الدولار لمتطلبات إدامة نموها الاقتصادي.

لا جدال في أن الامبراطورية الاميركية صيغة جغرافية ـ سياسية ـ اقتصادية مختلفة عن كل ما سبقها من امبراطوريات. وفي عالم تحولت فيه الى «الخصم والحكم» في آن واحد، بات التساؤل واردا عما إذا كانت، بوضعها الراهن وسياسة صقورها الجمهوريين، الحل أم المشكلة لنظام الزعامة الاحادية؟

مدعاة التساؤل ليست أزمتي الشرق الاوسط الابرز فحسب (فلسطين والعراق)، بل الابعاد المستقبلية للمواقف الاميركية السلبية من معاهدة كيوتو لحماية البيئة واتفاق الحد من انتشار الصواريخ البالستية واقتراح انشاء المحكمة الدولية لجرائم الحرب ـ وحتى على صعيد لا يقل شأنا في بعده القانوني، مصير سجناء معتقل غوانتانمو.

في سياق كل هذه «القضايا ـ المحك» تترافق ممارسة صقور واشنطن للنفوذ الاحادي مع تآكل مواز لسمعة الولايات المتحدة ومصداقيتها:

ـ بالنسبة للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي تركت ادارة الرئيس جورج بوش «خريطة الطريق» على قارعة الطريق باحجامها عن ممارسة الضغوط الضرورية لحمل حكومة آرييل شارون على تقديم بادرة حسن نية واحدة تقنع الجانب الفلسطيني باستعداده الجدي لتطبيقها.

ـ بالنسبة للعراق يوحي امتناع إدارة بوش عن اعلان موعد محدد لسحب القوات الاميركية أن احتلال العراق لا يندرج في اطار تغيير النظام وتدمير اسلحة الدمار الشامل بقدر ما يندرج في خانة تطبيق نظرية نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، بان نفوذ الولايات المتحدة الدولي يهدده احتمال فقدان سيطرتها على مصادر الطاقة النفطية.

ـ بالنسبة للاتحاد الاوروبي، يتحول الانزعاج من نزعة التفرد الاميركي بقيادة العالم الى قلق متزايد على مستقبل حلف شمال الاطلسي وإلى تساؤلات حول الاسلوب الاجدى للتعامل مع ادارتها، ففيما تدعو دول اوروبية الى تحالفات قد تكون قادرة على مواجهة نزعة التفرد الاميركية تسعى دول أخرى الى التحالف مع واشنطن على أمل ان يمنحها هذا التحالف بعض النفوذ الدولي. وبين هذا المنحى وذاك يواجه الاتحاد الاوروبي خطر التشرذم والنفوذ الاميركي فرصة السيادة الدولية بلا منازع.

ربما يدفع العالم اليوم ضريبة تحول الولايات المتحدة من دولة عظمى أولويتها الحفاظ على الامر الواقع الدولي(كما كان الحال في مرحلة الحرب الباردة) الى دولة عظمى أولويتها تغيير الامر الواقع الدولي وإعادة قولبته وفق رؤيتها (كما هو الحال منذ احداث 11 سبتمبر/ايلول 2001 ).

إلا أن طغيان أولوية الحرب على الارهاب على أي قضية قومية أو إقليمية أخرى أضاف الهم الاميركي الى الهموم الاقليمية دون حلها، ان لم يكن في الواقع تعقيدها.

هل من حل واقعي لتوفيق مصالح الزعامة الاميركية الاحادية مع المصالح الحيوية للدول الاخرى؟

بانتظار حسم الناخب الاميركي، عام 2004، الخيار المطروح عليه بين «قومية» الجمهوريين و«اجتماعية» الديمقراطين، قد يجدي طرح الاوروبيين بديلا دوليا لتسوية مشاكل العالم يكون أوسع أفقا من رؤية صقور الحزب الجمهوري .

وقد تكون الدعوة الى تشكيل آلية دولية على غرار «اللجنة الرباعية» المكلفة متابعة تنفيذ «خريطة الطريق» المخرج المتاح لحفظ سلام عالم يرتهن استقراره بتسوية مشاكله «الصغيرة» وليس بتحويلها الى مشكلة «كبيرة» اسمها... الارهاب.