في العراق.. النجاح أكثر «إرهابا» من الفشل

TT

ليس غريباً علينا أن نلاحظ هذه الأيام تصاعد الهجمة الشرسة على مجلس الحكم العراقي الإنتقالي، بعد أن حقق نجاحات باهرة في عدة مجالات. فخوف خصوم العراق ليس من فشل هذا المجلس بل من نجاحه. لقد بدأ الهجوم العنيف على المجلس منذ ما قبل تشكيله وإعلان أسماء أعضائه، وراحت الحملة تتصاعد كلما حقق هذا المجلس نجاحاً، رغم الظروف القاسية التي يمر بها العراق. فمن قائل إنه مجلس غير شرعي لأنه غير منتخب، وآخر إنه تشكيل عرقي وطائفي، لأن فيه ممثلين عن كل الأطياف العراقية. ولم نسمع منهم مثل هذا الكلام ضد النظام المنهار، العنصري الطائفي، عندما كان الحكم حكراً على عشيرة واحدة. كذلك قالوا إن أغلب أعضاء المجلس كانوا في الخارج لا يحق لهم المشاركة في الحكم، وكأن هؤلاء غادروا البلاد للسياحة أو الاستجمام وليس فراراً من الموت المحقق، علماً بأنهم قادوا معارضة فعالة في الشتات في أقسى الظروف وضد أشرس نظام عرفه التاريخ، وواصلوا نضالهم بلا هوادة حتى حققوا النجاح في إسقاط الفاشية وبدعم الحلفاء، أصدقاء شعبنا الاستراتيجيين.

وليس غريباً أن تتصاعد الهجمة على مجلس الحكم من ذات المصادر التي رحبت بالأعمال الإرهابية وتشجعها وتطلق عليها «مقاومة وطنية»، ولكن عندما تقع هذه الجرائم في بلد عربي آخر لا يترددون في تسميتها إرهاباً ويدينونها بأشد عبارات الإدانة كما ندينها نحن تماما. فلماذا هذا التمييز بين إرهاب وإرهاب رغم أن الإرهابَيْن من مصدر واحد.

يحاول خصوم العراق الجديد، بشتى الوسائل، تشويه سمعة المجلس باختلاق الفشل وإنكار النجاح واستعارة المساوئ وإلصاقها به. فعلى سبيل المثال إذا أظهر استطلاع رأي في العراق أن أكثر من 60% من العراقيين يعتقدون أن المجلس يمثل غالبية الشعب العراقي، وراضون عنه مقابل 32% غير راضين، ينشر التقرير بعنوان ملتو ومضلل: «32% من العراقيين يرون أداء مجلس الحكم سيئا». وهذا الأسلوب يتعمد لي عنق الحقيقة وتضليل الرأي العام، بطريقة تقديمه المعلومة، بعيدا عما تقتضيه النزاهة المهنية الصحفية.

ينقل لنا الدكتور أحمد النعمان في أحد سكيتشاته 113 على موقع البرلمان العراقي، طرفة عن زيارة خروتشوف لأمريكا، فيقول «جرت مسابقة في ركض المائة متر بين الرئيس كيندي والزعيم السوفياتي. وبالطبع فان الرئيس الشاب والرشيق كندي سبق المترهل العجوز خروتشوف. اما وكالة تاس «وهي الرسمية والوحيدة في الاتحاد السوفياتي» فقد نقلت الخبر على الشكل التالي:«جرت مسابقة في ركض المائة متر بين الرئيس الامريكي كندي والامين العام للحزب الشيوعي السوفياتي، رئيس الدولة السوفياتية نيكيتا سرغيفيتش خروشوف. وكانت النتيجة رائعة حقا، اذ حصل الزعيم السوفياتي على المرتبة الثانية بكل جدارة في السباق، فيما جاء الرئيس الامريكي ما قبل الأخير بعد جهد جهيد».

ألا يشبه هذا السياق التقرير المعنون: «32% من العراقيين يرون أداء مجلس الحكم سيئا»، بدلاً من «61% من العراقيين راضون عن المجلس»؟ وهل تتمتع أية حكومة ديمقراطية في الغرب بهذه النسبة من التأييد من قبل مواطنيها، رغم أن هذه الحكومات تمارس مهامها في أوضاع مستقرة إلى أقصى حد.

لقد حقق المجلس الحكم وبمساعدة الإدارة المدنية لقوات التحالف الكثير من النجاحات رغم الظروف القاسية. إلا إن الإعلام المضاد لا يرى إلا السلبيات فقط. إن عدم الإسراع في حل مشاكل العراق لا يعود كله على مجلس الحكم، بل ناتج عن تعقيدات الوضع وشراسة أعمال الإرهابيين وحجم الخراب الذي تركه النظام الساقط. ولا نعني أن المجلس عديم الإخفاقات، وأنه فوق النقد وبلا نواقص. أبداً، لكن ما نود قوله هو أننا نمر في مرحلة عصيبة ومعقدة تحتاج إلى تضافر كل الجهود، وعدم التلاعب بعواطف الناس، وعدم التقليل من جهود أعضاء المجلس الذين يواجهون القتل في كل لحظة من قبل الإرهابيين من فلول النظام المنهار، وحلفائهم المرتزقة كما حصل لزميلتهم عقيلة الهاشمي.

لقد اصدر المجلس عشرات القرارات الجيدة التي ساهمت في حل مشاكل الشعب، وشكلت الحكومة المؤقتة، وتم تأسيس الجيش العراقي الجديد، وقوات الشرطة بعشرات الألوف. كما تم توزيع الملايين من الكتب الدراسية الجديدة، وفتح جميع المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، التي صارت تعمل أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب. كذلك نجحوا في إيصال الطاقة الكهربائية والماء أكثر مما كانا في السابق. وأصدروا العملة الجديدة التي لا يمكن تزييفها من قبل المجرمين كما كانت الحال في العهد البائد.

يحاول الإعلام المضاد إغفال حقيقة أن المشاكل الأمنية محصورة في 5% فقط من مساحة العراق وأن السكان في 95% يتمتعون بالحرية وبحياة أفضل بكثير عما كانوا عليه في عهد صدام حسين.

إن تشكيل مجلس الحكم قد استغرق أكثر من أربعة أشهر من المباحثات المضنية إلى أن تكللت بهذه التركيبة. أما إذا نجحت المحاولات لتغيير هذا المجلس، فهذا يعني هدم كل ما تم بناؤه طيلة السبعة أشهر الماضية، والعودة إلى المربع الأول وانتظار أربعة أشهر أخرى لتشكيل مجلس جديد بتركيبة جديدة، مما يعرقل تحقيق السيادة الوطنية والديمقراطية وإعادة الاعمار. كذلك لا نرى أية فائدة من توسيع المجلس، لأن زيادة عدد الأعضاء تكثر من تعدد الآراء واحتدام الصراعات بين الجهات المختلفة.

المجلس الحالي ليس خاليا من العيوب، غير انه «ليس بالإمكان أفضل مما كان». فهو مجلس انتقالي على أية حال. من الأفضل إذن دعم المجلس ومنحه المزيد من صلاحيات الحكم، ونقل السلطة إليه تدريجياً، وحثه على المزيد من الإنجازات وعلى رأسها تحقيق الأمن والاستقرار، وتقديم الخدمات، وإعادة المجرمين إلى السجون، وإيجاد العمل للعاطلين، وتشكيل مجلس الدستور بالطرق الممكنة، مثل التوافق على اصدار مسودة الدستور وعرضه على الرأي العام لمناقشته، كذلك القيام بإجراء إحصاء للسكان وتحديد الدوائر الانتخابية، وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات وانبثاق حكومة ديمقراطية منتخبة.

* كاتب عراقي