الدكتاتورية «الشعبية»

TT

مظاهرة في إحدى المدن الأردنية تأييدا لصدام حسين، وبيان من الأحزاب الأردنية تعتبر فيه صدام حسين الحاكم الشرعي للعراق، ومئات المحامين العرب وعلى رأسهم اتحاد المحامين العرب يشكلون اللجان للدفاع عن صدام، ووفد الكتاب العراقيين يمنع من المشاركة في مؤتمر الأدباء العرب لأنه «جاء على ظهر دبابة»!!

هل نحن أمة تعشق الجلادين؟ هل هناك بصيص من أمل في آخر النفق المظلم للعودة إلى العقل وإلى احترام الإنسان وإلى محاربة الطغيان والفجور ورفع الأصوات عالية ضد المعتقلات والتصفيات والمقابر الجماعية وتشريد الشعوب بالملايين بحثا عن لقمة شريفة أو هروبا من البطش بعد أن هدم الطغاة الأوطان وجلسوا على أنقاضها يقرأون المعلقات الثورية فيجدون من يصفق لهم، ويضطهدون البشر فيطلب منهم المزيد!!

كتبنا وكتب غيرنا، وصرخنا وصرخ غيرنا منذ اليوم الأول لاعتقال المناضل مروان البرغوثي ومحاكمته في إسرائيل، طالبنا بتشكيل اللجان، استصرخنا ضمائر مؤسسات المجتمع المدني العربي، طالبنا المحامين العرب بالدفاع عن مناضل عربي في السجون الإسرائيلية فكانت ردود الفعل متواضعة وأحيانا مخجلة. وتم اعتقال طاغية بغداد، الذي فعل كل ما فعل فانتفضت شعارات المطالبة بمحاكمة «عادلة»، وتذكر من صمتوا لسنوات طويلة على مشهد الدكتاتور وهو يسوق الناس إلى الموت في العراق، أن هناك اختراعا جديدا اسمه المحاكمة العادلة. وانتفض المحامون العرب من القومجيين والأصوليين وتذكروا أن الإنسان يحتاج إلى حق الدفاع عن النفس وأن المعتقل يستحق معاملة إنسانية، فحمدا لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!!

مثلما تتساقط الأصنام الفردية لا بد من سقوط الأصنام «الشعبية» لا بد أن تسقط الأحزاب الشمولية العاشقة للدكتاتورية مهما لبست من لباس العروبة والتقوى، فالفكر الشمولي الذي أدى إلى كارثة إنسانية وأخلاقية لشعب العراق هو نفس الفكر الشمولي الذي تمارسه أحزاب ونقابات وجماعات تنتشر كالفطر في عرض شوارع الأمة وطولها، وتنتشر ثقافة التصفيق للدكتاتورية، وتتكلم عن تحرير العراق بينما هناك شعوب مقيدة بالأغلال، وتطالب بمحاكمة عادلة للطاغية بينما هناك دول تمتلئ بالسجون والمعتقلات التي لا تعرف الرحمة، والمحاكم الصورية التي لم تدخلها يوما العدالة!!

عفوا.. مروان البرغوثي اعذرنا فنحن مشغولون بالدفاع عن المناضل الأكبر.. والقائد الأعظم ولا حول ولا قوة إلا بالله!