2003: لم ينلها! لم ينلها!

TT

التقي ادونيس مرتين، او ثلاثا، في العام. وكلما التقيته يطرح عليّ سؤالاً نسي أنه طرحه في المرة السابقة: «كيف يمكنك ان تكتب كل يوم»؟ واكرر غالباً الجواب نفسه، وهو ما يصفه الدكتور مأمون فندي «بالكتبجي»، اي ان بعض الناس خلقت لكي تكتب، ولا شيء آخر. وقبل فترة صدرت الصحف العربية عشية الاعلان عن جائزة نوبل للاداب، وهي تقول ان ادونيس هو النائل هذا العام لا محالة. وهيأت نفسي لأن يكون عنوان الزاوية في الغداة، «أدونيس أخيرا». أو «أخيراً ادونيس»! لكن لما اعلنت اللجنة الاسوجية اسم الممنوح، تخيبنا مرة اخرى. واحببت ان اكتب شيئا اندد فيه بالسويد والفرد نوبل والبرد في استوكهولم وجامعة ابسالا التي يقال انها «اوكسفورد» الاسكندينافيين. غير انني ردعت النفس عن هواها. واخذت اتابع بدل ذلك ما كتبه السادة الزملاء عن هذا اللاحدث، واغضباه، يا مضر، يا مضر، ثمة كرب عمومي مفاده ان العرب (والعروبة) حانقون لان ادونيس لا يكف عن ترشيح نفسه لنوبل. كيف يحق لك هذا؟ عفواً، ذلك؟ ومن انت، سوى شاعر طردك اتحاد الادباء العرب؟ ومن انت سوى شاعر، قال احد النقاد ان التي ترجمت شعرك الى الفرنسية زوجها قومندان في الجيش الفرنسي. تصور لو كانت زوجة عريف او امباشي لكانت المسألة قومية مضرية لينينية. لكنها زوجة قومندان. تباً، كما تقول ترجمة الافلام، تباً. ايها البورجوازي. ايها الذيلي الذي تترجم كتبه الى اللغات ويرشح كل عام لنيل نوبل. يا فاقد الكرامة والشعور بالتضامن مع بريق الادباء العرب ولمعانهم. يا هذا.

افقدني ادونيس ذلك النهار موضوع زاوية. وكنت اريد ان القنه درساً في الكتابة اليومية، لكنه خذلني، وجعلني ابحث عن موضوع آخر. غير انني مضيت امتع النفس بالحقد العربي الواسع الانتشار. كل من معه ورقة وقلم شتم ادونيس لانه يعتقد انه خليق بالجائزة. وكل من له توقيع على ورقة كدش (غير مصقولة) اعرب عن تذمره لان هذه القصة تتكرر كل عام. وكادت نقابة اصحاب الكاراجات تجتمع لكي ترسل ميكانيكياً يهدد ادونيس بمصير نجيب محفوظ اذا ما هو فاز بالجائزة حقاً. وعندما لم يعلن فوز ادونيس راحت الاقلام تمتدح الفائز الجنوب افريقي وتقبل يديه وتغسل قدميه، ولم يكن احد يعرفه من قبل ولن يعرفه احد من بعد. لكن الموكب العربي الكبير وقف يشكره بالطوابير لانه لطش الجائزة من فم ادونيس مثل غراب محترف. وتنفس النقاد الصعداء والوطئاء. والى العام المقبل ايها الوقح المتجرئ الذي يريد للعرب ان ينالوا نوبل مرة اخرى.

كان الشاعر ريلكه يقول ان «القصيدة ليست مشاعر. القصيدة تجارب. ومن اجل ان نكتب بيتاً واحداً لا بدّ ان نكون قد عرفنا الكثير من المدن والرجال والاشياء»! لذلك ذهب ادونيس الى باريس منذ ثلاثين عاماً لكي يكتب الشعر. لقد عرف هنا الكثير من الرجال والكثير من الاشياء وعاش الكثير من التجارب وبعدها ايقن انه لا مكان للشعراء في هذا المكتظ الفسيح من الناس. هناك فقط مكان للحاسدين والجهلاء والميكانيكيين الذين لم يرق لهم ان يحصل نجيب محفوظ على نوبل، من دون اذن مسبق من نقابة النقاد واصحاب الكراجات وانسبائهم في الوطن والمهاجر والاصقاع.