ليس أذانا في مالطا.. إنها نصائح جادة

TT

ضلل العديد من الصحافيين الجمهور وضللوا انفسهم خلال انتخابات عام 2000، بالترويج لفكرة عدم وجود خلافات كثيرة حول سياسات المرشحين. وركزوا على الشخصيات، أو بالأحرى، التصورات التي دارت حول هذه الشخصيات. هذه المرة لن تكون هناك اوهام، فالرئيس بوش حول الولايات المتحدة بحدة في اتجاه اليمين، وستحدد انتخابات الرئاسة المقبلة للعام 2004، مدى استكمال سيطرته.

ولكن، هل تعكس التغطية الإعلامية ما تبديه من جدية فعلا؟ سأقدم بعض المقترحات حول هذه الامور:

1 ـ لا تتحدثوا عن الملابس: موافقة آل غور على هاوارد دين حدث مهم بالتأكيد. فالرجل الذي فاز بالأصوات المباشرة في انتخابات عام 2000، اعلن تأييده لمرشح اتهم الرئيس جورج بوش بزج الولايات المتحدة في الحرب ضد العراق على نحو خاطئ. ترى ماذا كتب بعض المعلقين؟ ولماذا كان يرتدي كل من دين وآل غور بدلة زرقاء؟

لا ادرى لماذا يبدي بعض الصحافيين اهتماما بما يرتديه السياسيون من ملابس، بدلا من التركيز على مقترحاتهم الخاصة بالسياسات؟ فإذا لم يكن الشخص مراسلا لشؤون الموضة والأزياء، فإن الهوس بالملابس يعد استخفافا بعقول القراء.

انظروا الى السياسات المطروحة من جانب المرشحين: يتردد ان واحدا من اهم المقترحات في خطاب حالة الاتحاد المقبل، إنشاء نوع جديد من حسابات الادخار المعفاة من الضرائب. ومن المتوقع ان يأتي هذا الاقتراح مغلفا في عبارات منمقة وجذابة حول «ملكية المجتمع». إلا ان الصحافيين الجادين يجب ان يبلغونا بآفاق نجاح هذه الخطة والمستفيدين منها والخاسرين من جراء تطبيقها.

2 ـ وقد تم طرح نسخة مبكرة من الخطة قبل عام تقريبا، وجرى تحليلها في «جورنال تاكس نوتس». ولذا فلا توجد اعذار للفشل في القول بأن الخطة ستؤدي الى تخفيض وليس زيادة المدخرات القومية، وستكون ذات تكلفة طويلة المدى، وان فوائدها ستذهب بصفة خاصة الى النسبة المحدودة من الاثرياء في هذا البلد.

3 ـ احذر النوادر الشخصية. مثل هذه النوادر، التي تكشف عن شخصية المرشح من اساسيات التقارير الصحافية، ولكن يجب ان تحمل تحذيرا.

وهناك العديد من النوادر الشخصية، ومن السهل جدا الاشارة الى الذكريات التي تؤكد وجهة نظر الصحافي. فالقصة المعتمدة عن بوش هي انه مخادع، وأمين، ورجل صريح. ولو كانت الحكمة التقليدية تقول انه شخص غير أمين، ومرفه يدعي انه من رعاة البقر، لعثرت وسائل الاعلام على العديد من النوادر التي تؤكد وجهة النظر تلك.

واذا كان على الصحافي استخدام تلك النوادر، فمن الافضل ان تكون صادقة. فبعد تأييد آل غور لترشيح دين، روى عشرات من الصحافيين نكات عن اختراع آل غور للانترنت. ايها الزملاء، لم يقل ذلك على الاطلاق: هذه حملة تشويه مغرضة لتصريح حقيقي، ولا يمكن لصحافي محترم ان يكررها.

4 ـ انظر إلى سجلات المرشحين. لو ألقيت نظرة متبصرة على سجل بوش كحاكم لاتضح لك، مع ذلك، أنه لم يكن شخصا معتدلا، بينما سيكشف سجل دين كحاكم لولاية فيرمونت، أنه ليس شخصا راديكاليا. فهو زعيم محافظ من الناحية المالية، ويعتبر ذلك أهم إنجاز حققه من حيث طريقة الإنفاق في ولايته. فتحقيق الضمان الصحي الشامل تقريبا للأطفال جاء نتيجة لخطوات متدرجة.

5 ـ لا تُخدع في لعبة التصنع السياسي. لم أصدق ما سببته كمية الحبر المسفوح بعد حادثة غور ـ دين حول جو ليبرمان من جرح للمشاعر. تذكروا نحن نتكلم حول الحرب والسلام ومستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة، لا حول من يأخذ من إلى حفلة راقصة.

أصبح الميدانيون السياسيون خبراء في صناعة المشاهد المثيرة التي تعبر عن حالات غضب وتأزم الأفراد. فخلال الأسابيع الأخيرة، كان المشكوك بأمرهم قد سعوا إلى رسم صورة لتعليقات هوارد دين المؤثرة عاطفيا حول موت أخيه في لاوس كما لو كانت نوعا من الشتيمة للجيش. نحن نرجو من قرائنا عدم السقوط في هذه الحيل.

6 ـ عرفنا من صحيفة «واشنطن بوست» أن المراسلين الذين يغطون حملة دين، مندهشون من أنه «لم يطرح أبدا أي سؤال حولهم». وهذا ما يسبب قدرا من الدوار.

أنا شخصيا لا أتوقع من زملائي الصحافيين أن يتبعوا هذه القواعد. ففي لحظة ضعف قد أكسر واحدة أو أكثر من هذه القواعد. لكن التاريخ لن يسامحنا إذا سمحنا لكسلنا واهتماماتنا بالتوافه أن تقرر شكل انتخابات حاسمة كهذه.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»