العلاقات العربية.. الحساسية المفرطة

TT

تذكرت شاعرنا الجاهلي وهو يقول في قصيدته الشهيرة:

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

والمناسبة إعلان نشر الصندوق الكويتي للتنمية في القاهرة بمناسبة مرور أربعين عاما على إنشائه، والهدف منه كما يبدو توضيح الدور التنموي الذي لعبه الصندوق في مشاريع مصرية عديدة، والإعلان عبارة عن مسابقة عن عدد المشاريع وتكلفتها وغيرها من المعلومات ضمن حملة علاقات عامة بدأها الصندوق ونشر من خلالها أفلاما وثائقية عن نشاطه في عدد كبير من محطات التلفزيون العربية.

هناك من التقط هذا الإعلان واعتبره «إهانة» لمصر، فالسؤال عن مشاريع الصندوق في مصر وحجمها هو «عيب» في حق مصر كما تناولت صحيفة حزب الوفد ذلك في مقال حاد نشر فيها، ولم تقف المسألة عند هذا الحد بل إن بعض الصحف نشرت بالخط العريض عن «أزمة مصرية كويتية» وتم بناء قضية كبيرة على إعلان من الصندوق ورد من صحيفة الوفد.

نريد أن نذهب بعيدا ونعتبر الإعلان «إساءة» لمصر، رغم أنه ليس كذلك، ولكون ماذا بشأن ردة الفعل على الإعلان، فصحيفة الوفد تقول إنه يجب سؤال الكويتيين عن عدد المدرسين المصريين الذين نقلوا الكويتيين من الجهل إلى العلم، وعدد المصريين الذين حولوا الكويت من صحراء جرداء إلى واحة خضراء، وعدد الجيش المصري الذي شارك في تحرير الكويت، وعدد شهداء مصر في الكويت!!

هذه الجاهلية التي تعيش على تسميم الأجواء وخلق حساسيات، لا مبرر لها بين الشعوب، فالأموال التي دفعها الصندوق الكويتي لمصر في مشاريع عديدة هي خير، وتعليم المصريين للكويتيين خير، ومشاركة مصر في حرب تحرير الكويت خير، وليست هناك قضية من هذه القضايا يمكن استغلالها بشكل جاهلي للإساءة إلى الشعوب ومصالحها، وهذه الحساسية المفرطة في الساحة العربية دليل على تأخرنا وتخلفنا ونظرتنا الدونية والفوقية إلى بعضنا البعض، وبلا شك فإن بعض الصحافة العربية تعيش على تسميم الأجواء وخلق عداوات تدفع الشعوب دائما ثمنها.

مصر العزيز الكريمة هي خير للكويت والعكس صحيح، فلماذا المبالغة والتهويل وتحويل إعلان نشرته صحيفتا الأهرام والأخبار في صفحتيهما الأوليين إلى أزمة وقضية لا أساس لهما. وخاصة أن الإعلان نشر في صحف مصرية يديرها مصريون يحبون بلدهم، ولو أنهم رأوا في الإعلان ما يسيء إلى مصر لرفضوه من الأساس.

علينا أن نتقي الله في شعوبنا وفي علاقاتنا ونتوقف عن الحساسيات وعصبية الجاهلية الأولى.