من حفيد الإمام يحيى

TT

نقلت قبل حين كلاما قاله السياسي اليمني احمد جابر المنيع عن مرحلة الامام يحيى حميد الدين وعن حال الناس في... زمن الثورة! وبعد ظهور المقال اتصل بي من جدة رجل في غاية الأدب قال انه يوسف، حفيد الامام، ونجل اسماعيل حميد الدين الذي قتلته الثورة. وسألني ان كان ما نقلته نابعا من قناعة شخصية. وقلت، لا تتوقع ان اتبرأ مما نقلته. واذا كان هناك من خطأ في ما نقلت فإن لك كل الحق في التوضيح، أما رأيي وموقفي منهما حق لي. ولن اتراجع عنهما لمجرد انك تكرمت واتصلت.

وقال الرجل، «لست اتصل لأغير من موقفك ولا من موقف احمد جابر المنيع. فالرجل ينتمي الى الفئة التي اعدمت والدي. ولكن ما يهمني هو انت ككاتب ومعرفتك عن تاريخ اليمن، وعن تلك المرحلة. ولست اطلب منك ان توضح شيئا ولن اكتب لكي ارد، وانما انا اتصل بك لأستأذنك في ارسال بعض المواد التاريخية عن الامام وعن اليمن في ايامه. وهذه المادة ليست مكتوبة في اليمن ولا باللغة العربية. لكنها تقع في قسمين: الأول تحقيق منشور في مجلة «ناشونال جيوغرافيك» العام 1947، والثاني مجموعة من الوثائق الرسمية الاميركية ما بين الثلاثينات والاربعينات. انها فقط لاطلاعك الشخصي. فاذا حدث وجئت على ذكر تلك المرحلة مرة اخرى تكون امامك مراجع مستقلة حول الموضوع».

كان الرجل غاية في الأدب، كما قلت. ومع ذلك فلم اشعر بالحرج. وقد اجبته بأنني انسان اجر خلفي عقودا من الشغف بالتطور والنمو والرخاء البشري والعدالة الانسانية. واكره الفقر والظلم والقتل تحت اي باب او اسم او تبريره. ولا اطيق ذكر المتسلطين والمتحكمين وخلاة القلوب. وما قرأته عن مرحلة الامام يحيى يتطابق مع الدعوات الحديثة التي ترفع رايات كثيرة من اجل العودة الى العصر الحجري الخالي من الرحمة والرأفة.

لم يتغير صوت الرجل. ولم يزعق. ولم يوجه عليَّ بوق التلفزيون. ولم يستعن باسطوانة مشروخة. بل اكمل يقول: «دعني ارسل اليك المادة التي حدثتك عنها. ولن اقول لك ماذا فيها. واعود فأقول انني لا أريد توضيحا. ومواقفك نعرفها ونحترمها». وقلت انني مسافر الى فرنسا في الغد وارجو ان نترك الأمر الى حين عودتي. فقال: «ساعة تشاء، لكن هناك اختراعا لم يكن ايام الامام يحيى هو الفاكس. لماذا لا ارسل لك شيئا من هذه المادة الآن، والباقي بالبريد».

حملت معي الى جنوب فرنسا زنة كتابين من الورق. وفيما غرقت هذه التلال بالهدوء والتأمل، أخذت اقرأ في الوثائق. وايضا في مقابلات مع شاعر اليمن الراحل البردوني. وكان فيها الرد على احمد جابر المنيع (وليس عليَّ). إذ يقول البرودني: «كان الامام يسافر من صنعاء الى دمت ذهابا وايابا وليس الى جانبه حراسة. وكان يجلس في اليوم ثلاث الى اربع ساعات ليقابل الناس وكان مثل اي واحد منهم، ببساطته ومعيشته؟

وترسم الوثائق الاميركية صورة اخرى للامام، هي صورة الرجل الكثير العلم، والذي يفاوض اميركا لشراء طائرات عامودية تتناسب مع طبيعة اليمن الجبلية، ويتذمر من ان الطائرات التي ارسلها البريطانيون لا تحلق ولا تهبط ولا تتحرك. ويقول الامام للمبعوث الاميركي في ذلك الوقت انه لا يستطيع ادخال الكثير من التحديث مرة واحدة لكي لا يؤذي قناعات الشعب اليمني وعاداته وتقاليده، ولذلك سوف يسعى الى التطور المتدرج.

لا مجال لعرض اوسع للمادة التي ارسلت اليَّ. وهي بالتأكيد تعطي اضافات جديدة عن مرحلة اليمن في النصف الأول من القرن الماضي، لكنها لا تغير الكثير من تلك المرحلة. الذي يغير هو احفاد مؤدبون وعلى كثير من الخلق، قادرون على الكتّاب بالقراءة عن تاريخ اليمن في الثلاثينات وهم يتأملون المطر والصنوبر فوق تلال فرنسا.