حضارات ولا فخر (2)

TT

في هذه الايام التي رأينا فيها كيف عبث حاكم مجنون بمصير شعبه وامته، علينا ان نتذكر ان ظاهرة الحكام المجانين ليست فريدة او قليلة في التاريخ، وعلينا ان نعترف ايضا بأن صدام حسين يعتبر من اعقل الحمقى والمجانين الذين تربعوا على سدة الحكم. لقد فاقنا الغربيون في ذلك. لا اود ان اشير هنا الى هتلر، وانما الى الامبراطور الروماني كاليغولا الذي تربع على العرش في القرن الاول بعد الميلاد.

اننا في تاريخنا العربي التزمنا بصورة عامة بسنن الشريعة الاسلامية والعرف البدوي فيما يتعلق بالارث وتسلسل الحكم من اب للابن والاخ للاخ. وصان ذلك الخلافة عبر العصور، إلا فيما ندر.

لم يعبأ الرومان بمثل ذلك. فكان استلام الحكم حقلا خصبا للتآمر والكيد والقتل. عندما كان تايبريس امبراطورا في روما، قام بالتآمر لاغتيال الوريث الشرعي له مع زوجته وجميع اولاده، بحيث لا يبقى مؤهلا للحكم غير كاليغولا الشاب الذي استلم الحكم فعلا بعد موت تايبريس. بيد ان كاليغولا كان بكل بساطة شابا مجنونا روي الكثير من الحكايات عن جنونه، ومنها الحكاية الشهيرة عندما قرر تعيين حصانه قنصلا للامبراطورية (وهو ما يعني رئاسة الحكومة) شهد حكمه سلسلة من جرائم القتل والتشريد والسجن والتعذيب، وبعين الوقت التبذير بشكل افقر الخزينة بحيث لم يعد فيها ما يمكن ان ينفقه، فعمد الى مصادرة اموال الاغنياء.

وصل به الغرور ان اعتبر نفسه الها وقرر ان يوضع تمثال له في معبد الهيكل في اورشليم «القدس» ليعبده الناس. وهو ما لم يفعله صدام حسين، والحق يقال. ولكن اليهود هددوا بالتمرد والثورة على روما ان فعل ذلك. استطاع قواده ثنيه عن المحاولة، اشغلوه بمهمة اخرى، وهي قيادة الجيش للزحف على بريطانيا. فعل ذلك، لكنه عندما وصل شاطئ بحر المانش وجد الشاطئ مليئا بالاصداف. فأمر جنوده بنزع دروعهم وسيوفهم وجمع هذه الاصداف الجميلة. وبعد ان انجزوا ذلك قرر العودة بهم الى روما قائلا: ان ما جمعوه من اصداف يكفي كغنائم حرب. عاد الى روما، حيث اقيمت له اقواس النصر. القائد المنتصر صدام حسين!. غرق كاليغولا بالمجون والجنس. وكان من ذلك الزنى باخته المتزوجة دروسيلا. تعلق بها كثيرا الى حد انه في احدى سوءاته الجنسية معها قتلها ليرتوي من دمها. وبعد ان ماتت ودفنت اعلن تأليهها واضاف تمثالها الى تمثاله في المعبد كآلهة.

كان والد كاليغولا واليا على سوريا وفيها ولد ونشأ الابن قبل عودته الى روما وتولى رئاسة الامبراطورية. فتح ذلك المجال لنقاده ومؤرخي سيرته وابناء جيله ليقولوا ان سلوكه الجنوني هذا يعود لولادته في سوريا وتأثره بتراث الشرق. كأن يزني باخته دروسيلا لانه تعلم من مصر ان الملوك فيها كانوا يتزوجون اخواتهم. الحمد لله انه لم يذهب الى العراق ليقولوا انه تعلم على تبديد ثروة البلاد من العراقيين.

قاد جيشه مرة اخرى لخوض قادسية كاليغولا. عاد منتصرا كالعادة من ام المعارك، لكن قواده لم يعودوا قادرين على تحمل نزواته مثلما فعل قادة الحرس الجمهوري في بغداد. فانقضوا عليه حالما دخل روما منتصرا وقتلوه بعد خمس سنوات من حكمه وليس 35 سنة. لم يكتفوا بذلك فأكملوا المهمة بقتل زوجته وابنته ايضا ولم يسمحوا لها ان تظهر على التلفزيون وتبرر لماذا كان والدها يزني بأخته ضمن فكرة التضامن العائلي.