رسائل بالغة الدلالة من «لويا جيرغا»

TT

ماذا يفعل الأفغان عندما يسمعوا نبأ جيدا؟

يطلقون النار.

وهو بالضبط ما كان يفعله كثيرون في الاسبوع الماضي للاحتفال بإقرار مجلس «اللويا جيرغا» للدستور الجديد. ومجلس اللويا جيرغا هو تجمع لشيوخ القبائل والزعماء الدينيين وغيرهم من الاعيان الذين يدعون دائما لاخراج الأمة من الازمات.

وقد استغرقت الدورة الاخيرة للويا جيرغا 22 يوما، بدلا من 10 ايام كانت مقررة في البداية، واتسمت بأحداث درامية اكثر مما هو متوقع.

غير ان التجمع الذي انهى دورته الاخيرة يوم الأحد الماضي، نفذ ما هو مطلوب منه.

لقد قدم للأمة الأفغانية التي دمرتها الحروب دستورا جديدا يبدو انه يحظى بتأييد واسع النطاق، وفي الوقت ذاته اكد نهايته الحاسمة. فقد عقدت اول دورة للويا جيرغا قبل قرنين من الزمان لتأسيس المملكة الأفغانية، ولن تعقد بعد الآن أية اجتماعات للويا جيرغا، لأن أفغانستان، وعلى الرغم من اعادة تسميتها بالجمهورية الاسلامية، اصبحت في الواقع، ديمقراطية برلمانية.

وترجع معظم اسباب نجاح لويا جيرغا الى الجهود التي بذلتها، من وراء الستار، ادارة بوش ورجلها في أفغانستان، السفير زلماي خليل زاد. كما تستحق الامم المتحدة وممثلها في أفغانستان الأخضر الابراهيمي التقدير، للجهود الرامية الى تحييد محاولات من بعض القوى الاقليمية، وبصفة خاصة ايران وروسيا لتقسيم اللويا جيرغا. وتظهر الخبرة الأفغانية ان الامم المتحدة، شريطة عدم استخدامها في الديماغوغية، يمكنها القيام بدور ايجابي في مواقف ازمات محددة.

ويستحق الرئيس الأفغاني المؤقت حميد كرزاي الثناء، الذي تمكن، بدعم من الملك السابق محمد ظاهر شاه، من تهدئة وإقناع شيوخ القبائل البشتونية.

وقد قاوم مجلس اللويا جيرغا، وهزم، الجهود الرامية من السياسيين الجهاديين والآيديولوجيين لتحويل أفغانستان الى دولة دينية قائمة على الشريعة. ويظهر الدستور الجديد ان السلطة السياسية تنتمي للشعب وستمارس عبر الممثلين المنتخبين، اعتمادا على قواعد القانون الاساسي وليس على اية مبادئ ميتافيزيقا. وستحترم المبادئ الاسلامية. غير ان مهمة سن القوانين هي مهمة البرلمان وليس اية مؤسسة دينية.

ان القرار الأفغاني يرسل اشارة قوية الى ايران حيث يحتفظ «المرشد الأعلى» بسلطة مطلقة.

كما فشلت الجهود الرامية الى إبقاء النساء خارج الحياة السياسة وتحويلهن الى مواطنين من الدرجة الثانية. لقد اصبح من المؤكد وجود بعض الأعضاء في البرلمان الأفغاني، على الرغم من ازعاج هؤلاء الذين يعتقدون ان المرأة تفتقر الى «الحكمة والقدرة على التقييم» وغير قادرة على التفريق بين الصواب والخطأ.

قاوم مجلس اللويا جيرغا محاولات القادة القبليين والوجهاء الدينيين الرامية لفرض لغتهم الام، التي تتحدثها نسبة لا تتعدى 38 في المائة من سكان أفغانستان، كلغة رسمية للبلاد.

ستكون لأفغانستان بموجب الدستور الجديد لغتان رسميتان هما الداري «الفارسية» والبشتون، بالاضافة الى اللغتين التركمانية والأوزبكية.

وبهذا المعنى توجه افغانستان رسالة الى عدد من الدول المسلمة حيث يشكل التنوع اللغوي خطرا على الوحدة الوطنية. كما ان المجلس انجز ما هو اكثر اهمية بالمقاييس السياسية الآنية على الاقل. فقد رفض المجلس مقترحا تكون لأفغانستان بموجبه حكومة مركزية تقوم على اساس سلطة تنفيذية يتولاها بصورة مباشرة رئيس منتخب للبلاد. فقد تجاهل هذا المقترح، القائم على اساس فهم سطحي لنظام الحكومة الاميركية، البنية الفيدرالية للولايات المتحدة وينص على وجود رئيس مسؤول أمام الناخبين.

الا ان الصورة النهائية تنص على وجود رئيس مسؤول ايضا أمام البرلمان رغم انه منتخب في الاساس بواسطة التصويت المباشر للناخبين. سيكون هناك نائبان للرئيس على اعتبار ان اختيارهم سيكون من المجموعات الاثنية التي لا ينتمي اليها رئيس البلاد.

بذل كرزاي، الذي يسعى للفوز بانتخابات الرئاسة في يونيو (حزيران) المقبل، جهودا مضنية في فرض المسودة الرئيسية. الا ان معارضيه ضغطوا باتجاه طرح نظام برلماني يسمح بقدر كبير من المشاركة في السلطة ويضعف في نفس الوقت من السلطة المركزية.

وفي نهاية الامر ينبغي على الطرفين التخلي عن مواقفهما المتشددة. الرئيس المستقبلي لأفغانستان لن يتمتع بكل السلطات التي يريدها كرزاي، لكنه لن يكون رمزا فقط كما يريد معارضوه.

اسبوع واحد فقط من الاخبار والتطورات الايجابية لا يعني بالضرورة ان أفغانستان، التي مزقتها الحروب الأهلية على مدى ربع قرن، قد خرجت تماما من دائرة الخطر. فلا تزال هناك بعض القوى التي تعمل لتحطيم السلام الذي فرضته الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في أفغانستان عقب انهيار نظام طالبان السابق.

اكبر تهديد يأتي من البشتون الذين يرون صعوبة في التخلي عن قبضتهم التقليدية على السلطة.

اما الخطر الثاني، فمصدره المسلحون الذين يقدر عددهم بحوالي نصف مليون شخص وينتمون الى عدد من عشرات الميليشيات والجيوش الخاصة، كما يرتبط بعض هؤلاء ببارونات تهريب المخدرات على المستوى العالمي. على الرغم من وعود واشنطن المكررة، فإن مهمة نزع سلاح هذه المجموعات الخطرة لم يبدأ حتى الآن.

اما التهديد الثالث، فمصدره القوى الاقليمية ممثلة في ايران وباكستان وروسيا التي لا تعتبر جارة مباشرة لأفغانستان لكنها تفرض نفوذها في تاجيكستان. فافغانستان ظهرت في القرن الثامن عشر كحزام فاصل بين الامبراطوريات القيصرية والفارسية والبريطانية. وما يمكن قوله هنا هو ان محاولات إضعاف حياد افغانستان قادت باستمرار الى الحرب ويمكن ان يتكرر ذلك مستقبلا.

تعد باكستان حاليا اكثر جيران أفغانستان شعورا بالظلم. فعقب تأييدها ودعمها المستمرين لطالبان في السابق، وجدت باكستان نفسها بلا اصدقاء في كابل. لا بد للحكومة الأفغانية ان تجد وسيلة لطمأنة اسلام اباد لتضمن بالتالي تأييد باكستان الحقيقي لتدمير ما تبقى من حركة طالبان وتنظيم «القاعدة» والجماعات الارهابية الاخرى في مناطق جنوب شرق أفغانستان. الحكومة الباكستانية لا تشعر الآن بأية حماسة ازاء المساعدة في إنهاء الحرب المحدودة التي يشنها ارهابيون على حكومة كرزاي والوجود الاميركي الذي يسانده.

وبما ان باكستان بها عدد كبير من البشتون، حيث يعرفون بالباثون، فإن أية محاولة لحل مشكلة بشتون أفغانستان يجب ان تأخذ في الاعتبار ضرورة تأييد اسلام اباد. ويعتقد الكثير من الخبراء ان غالبية أفراد مجموعات البشتون الذين يشاركون في الهجمات الحالية التي تشهدها منطقة جنوب شرق أفغانستان، هم في واقع الامر من مجموعة الباثان الباكستانية، بمن في ذلك الكثير من «المتطوعين للشهادة» الذين تلقوا تدريبهم في مراكز اسلامية في مدن باكستانية مثل بيشاور وكويتا.

رابع الأخطار التي تهدد مستقبل السلام والاستقرار في افغانستان واكثرها اهمية هو البطء الذي لازم عمليات إعادة الإعمار. فقد قدمت الكثير من الوعود خلال العامين السابقين، بيد ان القليل فقط من هذه الوعود قد نفذ بحجة انعدام الامن، رغم ان الوضع الامني وعمليات اعادة الاعمار يرتبطان ببعضهما بعضا، فإعادة البناء تولد الأمن والعكس ايضا.

خامس المهددات يتلخص في عدم وضوح الالتزام الأميركي بدعم افغانستان على المدى الطويل. فسياسيو الحزب الديمقراطي الذين يسعون الى الوصول الى انتخابات الرئاسة اما لمحوا او وعدوا مباشرة بانهاء الوجود الأميركي في أفغانستان.