احتكار صناعة الغذاء!

TT

قدم المناهضون للمحاصيل الزراعية المعدلة جينيا خدمات جليلة للعلم، اعترف بها غالبية الباحثين في هذا المجال، وذلك بفضل طلبات الاستفسار المزعجة التي تقدموا بها، وبفضل اسلوبهم الخاص في التركيز على ابراز المخاطر التي قد تهدد مستهلكي هذه المنتجات، وبعض هذه المخاطر لم تخطر على بال باحثي الهندسة الوراثية وبعضها الآخر اغفلوها عمدا، والدليل على ذلك محصول الذرة الذي يقاوم الآفات والذي يعد اول المحاصيل المعدلة جينيا.

لاسباب فنية وتجريبية حمل محصول الذرة المعدل جينيا علاوة على الجين المراد اضافته، سمة مقاومة المضادات الحيوية، وتلك السمة كان من الممكن ان تيسر تربة للفطريات التي تقاوم المضادات الحيوية وتساهم بذلك في تقليص القدرة العلاجية لمضادات الميكروبات التي تستخدم في الادوية التي تعالج الانسان. وبالرغم من ان الكثير من الباحثين اعتقدوا بان هذا الخطر غير واقعي الى حد ما، الا ان ذلك لم يحل دون احتشاد الباحثين من اعداء المنتجات المحورة جينيا الذين طورا تقنيتها وجربوا ان يستغنوا عن الجين المزعج المضاد للمضادات الحيوية في استخداماتهم، وكانت النتيجة ان المنتجات المحورة جينيا لم تعد تحوي اي اثر لهذا الجين، الامر الذي قد يسهم في تقبل استخدام الذرة المعدلة جينيا لتقاوم آفاتها.

كذلك قام المناهضون للمنتجات المعدلة جينيا بمهاجمة عنصر «بي. تي» السام الذي يحمي الذرة من الآفات، اذ يخشون من ان يتسبب هذا العنصر السام في اختفاء فراشة «الموتارك» اثناء انتقال حبوب لقاح الذرة، ومع ذلك فان المناهضين للمنتجات المعدلة جينيا استمروا في ممارسة الضغوط حتى يتم عمل دراسات متأنية حول آثار «بي. تي»، لكن المنتجات المحورة جينيا التي تحتوي على هذا الجين كانت قد تمت زراعتها بالفعل على مساحات شاسعة.

لكن في مقابل الاصوات المعارضة للمناهضين للمحاصيل المعدلة جينيا، يعتمد الباحثون في مجال الهندسة الوراثية على جاذبية السؤال: هل تستطيع المنتجات المحورة جينيا درء الجوع في العالم؟ وهو السؤال الذي ستسعد الاجابة عليه بنعم الكثيرين في دول العالم الثالث الذين يظهرون اهتماما بالغا بالمنتجات المعدلة جينيا الى درجة انهم يستنكرون ما يقوله اصدقاؤهم في المؤتمرات الدولية، الى جانب العدد المتزايد من الدول التي انخرطت في مغامرة التعديل الجيني للمنتجات، مثل الارجنتين التي خصصت قرابة 13.5 مليون هكتار لزراعة المنتجات المحورة وراثيا، ومثل الصين التي تنتج بالفعل على مساحات شاسعة ثمانية نباتات مختلفة معدلة جينيا، كما قامت الهند بعمل نوعية بطاطس معدلة جينيا عن طريق استخلاص جين مأخوذ من احد النباتات يحتوي على ضعفين او اربعة اضعاف من الاحماض الامينية الاساسية.

من ناحية اخرى يبرز السؤال: هل تهجين النبات يعد سلاحا للهيمنة على صناعة الاغذية الزراعية؟ والاجابة بالطبع: نعم، اذ ان الاتجاه لذلك يبدو قويا لدى اربع او خمس شركات كبرى في العالم (مثل مجموعة ليماجرين الفرنسية) تريد وضع يدها على الثروات الزراعية في الكون.. انها مشكلة انسانية واقتصادية، المهم ان يكون كل هذا في مصلحة الانسان!