صراع التجديد داخل جماعة «الإخوان المسلمين»

TT

وفاة مأمون الهضيبي المرشد العام لجماعة «الاخوان المسلمين»، من شأنها أن تطلق من جديد، الحوار الداخلي الذي ثار بقوة قبل اختياره مرشدا عاما قبل عامين، وهو الحوار الذي دعا إلى ضرورة التجديد داخل الحركة التي تعد أكبر الحركات الاسلامية في مصر، ولها امتدادات عربية ودولية تنتظم في ما يسمى «التنظيم الدولي للاخوان المسلمين».

لقد تناوب على منصب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين ستة أشخاص، هم على التوالي: حسن البنا المؤسس (1928)، وحسن الهضيبي (1951)، وعمر التلمساني (1974)، ومحمد حامد أبو النصر (1986)، ومصطفى مشهور (1996)، ومأمون الهضيبي (2002)، وإحدى الصفات التي تجمع بين هؤلاء الأشخاص أنهم كبار في السن، وأدى هذا إلى أن يصبح موضوع التجديد مرتبطا بالأجيال التي تنتمي إلى الحركة ولا تجد منفذا إلى مراكزها القيادية الأولى. ويتحدث دعاة التجديد هؤلاء عن: أزمة قيادة، وعن أزمة إنتاج قيادة، بالمعنى الفكري، ويتحدثون عن الإجراءات المتبعة في اختيار المرشد العام، بالمعنى الإجرائي والتنظيمي، داعين إلى تغييرات في القواعد المتبعة، وتغيير النظم واللوائح المعمول بها، وهي هنا لائحتان أساسيتان:

اللائحة الأولى هي «النظام الأساسي لحركة الاخوان المسلمين» في مصر، الصادر عن جمعيتها العمومية في 8 ـ 9 ـ 1945، والمعدل يوم 30 ـ 1 ـ 1948.

اللائحة الثانية هي «النظام العام لحركة الاخوان المسلمين»، الصادر في 29 ـ 7 ـ 1982، وهو دستور التنظيم الدولي للحركة، والذي أسسه المرشد العام مصطفى مشهور.

ويدرس هاتين اللائحتين الباحث «محمد بن المختار الشنقيطي»، وهو موريتاني يقيم في الولايات المتحدة، ويقول بشأنهما «إن تصفح هاتين الوثيقتين يكشف عن خلل خطير في البنية القيادية للاخوان في مصر، وفي التنظيم الدولي» الذي أسسوه، وهو يلخص هذا الخلل بما يلي:

ـ الإخلال بمبدأ الشرعية القيادية منذ البدء، لأن الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين منحت نفسها شرعية دائمة، وحرمت أعضاء الحركة غير المؤسسين من أي حق في تغييرها، أو مشاركتها حق اختيار القيادة. ولا تشير اللائحتان إلى أي نوع من الانتخاب أو تجديد انتخابي تخضع له الهيئة التأسيسية، وكل ما ذكر هو ما ورد في المادة 33 من النظام الأساسي، من أن الهيئة التأسيسية تتألف من «الإخوان الذين سبقوا بالعمل لهذه الدعوة». وقد كانت هذه الهيئة التأسيسية تتكون من 100 ـ 150 عضوا حتى عام 1954 «عام حل الجماعة بقرار من نظام الرئيس جمال عبد الناصر»، ثم تناقصت بعد ذلك حتى أصبح عددها 60 عضوا فقط في عام 1986.

ـ أراد المؤسسون أن يعوضوا عن حرمان أعضاء الحركة حق الاختيار، من خلال ما يسمى بـ«سياسة الإلحاق»، فمنحوا الهيئة التأسيسية الحق في ضم أعضاء جدد إليها ـ إن شاءت ـ لا يزيد عددهم عن عشرة سنويا، كما تنص المادة 35 من النظام الأساسي. وقد اعتقد بعض الإخوان أن عملية الإلحاق هذه كافية للتجدد الذاتي، ولكنهم نظروا إلى الأشكال لا إلى المضامين، إذ هناك فرق واضح بين ضم القيادة لمن تثق في ولائهم، وبين اختيار القاعدة لقيادات تتلاءم مع حاجات الحركة.

ـ أشارت المادة 61 من النظام الأساسي إلى أنه «ينعقد كل سنتين مؤتمر عام.... يكون الغرض منه التعارف والتفاهم. أي من دون سلطة تتمثل في انتخاب قادة الحركة أو محاسبتهم». كما أن انعقاد هذه المؤتمرات توقف بعد اغتيال المؤسس حسن البنا عام 1948.

ـ منحت المادة 11 من النظام العام «الدولي»، مجلس شورى الإخوان صلاحية انتخاب المرشد، كما أعطى النظام الأساسي هذه الصلاحية للهيئة التأسيسية من قبل، لكن الإشكال ظل دائما يكمن في: من ينتخب المنتخبين؟ لقد بقي هذا الحق محصورا في أصحاب «الهيبة التاريخية، والسبق الزمني».

إن هذه القضايا التي يشير إليها الباحث الشنقيطي، ستطل برأسها ثانية في الأيام المقبلة، حين يبدأ البحث باختيار المرشد العام الجديد. وهناك من يعتبر الحديث بها شأنا عاما، لا شأنا تنظيميا داخليا خاصا بالإخوان المسلمين، بسبب ما للإخوان من وزن داخل الحركة الإسلامية المصرية والعربية.

يقول دعاة التجديد إن حركة الإخوان المسلمين تأسست عام 1928، أي بعد أربع سنوات من سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في تركيا، وهي بذلك محاولة لإيجاد مركز قيادي إسلامي بديل يواجه حركة التغريب. ولكنهم يشيرون أيضا، إلى أن الحركة، ومن خلال عمرها المديد، فشلت في تحقيق هدفها في الوصول إلى السلطة، ويتساءلون ما السبب؟ وبما أن السبب لا يمكن أن يكون في العقيدة، فهو يتركز إذا في التنظيم وفي طريق عمله وإدارته. وهم يتوقفون هنا «حسب الباحث المصري أبو العلاء ماضي»، أمام مشكلة موضوعية تتعلق بالوجود القانوني للجماعة في مصر، وهو وجود مر بالمراحل التالية:

ـ عند التأسيس في العام 1928، كانت الجماعة مسجلة كهيئة إسلامية شاملة، وفق دستور 1923 الذي كان معمولا به في ذلك الوقت، ووفق القانون المنظم لهذا الشأن، فكانت الجماعة هيئة دعوية وتربوية واجتماعية، لها الحق في إنشاء شركات ودخول المضمار السياسي، وترشح حسن البنا بموجب ذلك للنيابة مرتين.

ـ في ظل النظام الجمهوري تم تغيير الدستور مرتين، مرة عام 1956 بعد قرار حل الجماعة، ومرة ثانية في ظل حكم الرئيس السادات عام 1971. وتغيرت بسبب ذلك النصوص القانونية المنظمة للشأن العام، وأصبح الدستور والقانون لا يسمحان بالنشاط العام إلا من خلال شكلين: إما حزب سياسي وفقا لقانون الأحزاب، وإما جمعية خيرية وفقا لقانون الجمعيات. وهذا يعني أن عودة الجماعة للعمل حسب الشكل التأسيسي القديم، كهيئة شاملة هو أمر مستحيل، ولذلك يجب حسم قضية أي الأشكال أنسب لعودة نشاط الجماعة، هل هو حزب سياسي أم جمعية خيرية؟

ومن ناحية عملية فإن الرئيس أنور السادات اقترح على الجماعة عودة إلى العمل من خلال تأسيس حزب بغير اسم الاخوان المسلمين، ولكن قيادات الاخوان رفضت العرض، فوافق الرئيس السادات على العمل الضمني من دون رخصة. وهكذا بقيت مشكلة الوجود القانوني للجماعة معطلة، وهي مشكلة ستواصل طرح نفسها أمام المرشد الجديد حين ينتخب، وسيذكي نارها دعاة التجديد داخل الجماعة.

كان المرشد الراحل مأمون الهضيبي يرد على دعاة التغيير قائلا إن أي تفكير في التغيير الداخلي يمثل خطرا في الوقت الحالي، فالإخوان ليسوا حزبا شرعيا يستطيع عقد اجتماعات أو انتخاب جمعية تأسيسية لمناقشة المتغيرات، إنكم تطالبوننا بأشياء لا نستطيع تحقيقها.

واللافت للنظر هنا أن بعض دعاة التغيير والتجديد، يدعون إلى اتباع النموذج التركي للحركة الاسلامية، ففي تركيا «حسب الكاتب مجدي شندي» انقسم الإسلاميون، وخرج الجيل القيادي الشاب عن الحرس القديم ليؤسس حزبا سياسيا، وظن المتابعون أن الانشطار هو بداية نهاية الاسلاميين الأتراك، غير أن الحزب الجديد خيب كل الظنون وعاكس التخمينات. ويتساءل الكاتب قائلا «ترى هل يقدم التيار التجديدي في الاخوان على التجربة؟ وهل يسمح النظام في مصر بشرعية للتيار الجديد حجبها طوال عقود عن الجماعة الأم؟».

المهم في هذا النقاش، سواء وصل إلى هذه النتيجة أو تلك، أنه يتم داخل أكبر حركة إسلامية في مصر والعالم العربي، وما يحدث في داخلها ليس أمرا خاصا بها، وهو سرعان ما يتحول إلى مسألة عامة يتداول شأنها الجميع.