إذا أردتم دولتين فطالبوا بواحدة

TT

هدد رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون بفرض حل الاتفاق النهائي من جانب اسرائيل وحدها إذا لم يذعن الفلسطينيون لرغباته خلال الاشهر المقبلة، وها هو رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع يرد بتهديد هادئ من جانبه اكثر ملاءمة من مواصلة العنف او التوقف الكامل، سعيا منه فيما يبدو الى التوصل للحل القائم على وجود دولتين، وهو الحل الذي ترغب فيه غالبية الاسرائيليين والفلسطينيين.

الى ذلك كان قريع قد وصف، في لقاء اجري معه الاسبوع الماضي، الجدار الذي يجري تشييده حاليا عبر الضفة الغربية، والذي تعهد شارون باستكمال العمل فيه رغم المعارضة الدولية الواسعة، بأنه «حل قائم على الفصل العنصري سيضع الفلسطينيين داخل أقفاص مثل الدجاج»، وقال ان هذا الحل «سيقضي على الخيار القائم على اساس الدولتين». اما الخلاصة التي توصل اليها قريع نتيجة هذا الوضع، فتتلخص في ان لا خيار أمام الفلسطينيين في هذه الحالة سوى اللجوء الى حل «الدولة الواحدة».

لا شك ان توقيت هذه التطورات ليس مناسباً. فاتفاق جنيف غير الرسمي الذي وقع مطلع ديسمبر (كانون الاول) الماضي حدد وبتفاصيل واضحة شكل الحل التفاوضي القائم الى إنشاء دولتين فلسطينية واخرى اسرائيلية. وليس هناك سوى فوارق هامشية فقط بين أي اتفاق يتم التوصل اليه عن طريق التفاوض ويمكن قبوله من جانب غالبية الاسرائيليين وغالبية الفلسطينيين وبين اتفاق جنيف الذي يحتوي على كل التسويات الاساسية التي كان هناك اعتراف مسبق بأهميتها في الحل القائم على اساس إنشاء دولتين. اما اذا كان ذلك ليس مناسبا للطرفين بدرجة كافية، فلم يتبق سوى خيارين هما حل الدولة الواحدة او الحل العسكري.

ففي حل الدولة الواحدة تشكل حدود الانتداب الفلسطيني السابق دولة ديمقراطية واحدة خالية من أي نوع من التمييز على اساس العرق او الدين او الاصل القومي، على ان تكفل حقوق متساوية لكل من يعيش داخل هذه الدولة، كما هو الحال في أي ديمقراطية حقيقية.

اما خيار الحل العسكري، فإن التسلسل الغالب للاحداث والتطورات على مدى فترة زمنية ربما تمتد عقود وربما تكون وجيزة سيكون مركزا حول استكمال التطهير العرقي للسكان الاصليين لفلسطين التاريخية (هو الخيار الذي تؤيده الغالبية في استطلاعات الرأي) يتبعه هجوم نووي على اسرائيل من جانب دولة او دولتين في العالم الاسلامي، ثم رد نووي اسرائيلي فوري ضد العالم الاسلامي. هذا السيناريو المخيف لا يهدف الى إثارة الفزع، بقدر ما يهدف الى الاشارة الى الواقع في غياب السلام.

كل المؤشرات تدل حاليا على ان غالبية الرأي العام الاسرائيلي سترفض بفزع خيار قيام دولة واحدة ديمقراطية «من البحر الى النهر» في ظل غياب عمليات طرد اسرائيلية رئيسية للفلسطينيين. وهي دولة من المفترض ان تكون خالية من أي تمييز وتكفل فيها حقوق متساوية للسكان. إلا ان مثل هذه الدولة تناقض الفكرة الصهيونية وتتعارض مع اسباب وجود اسرائيل. ومن هنا يجب ان يرفض العالم الحل العسكري ومساعدة الطرفين في التوصل الى خيار افضل.

في ظل هذه الظروف، يجب على القيادة الفلسطينية ان تتابع ما قاله احمد قريع مع اعتماد قيد زمني واضح. فإذا لم تشرع اسرائيل في مفاوضات باتجاه التوصل الى الحل القائم على إنشاء دولتين على اساس اتفاق جنيف طبقا لمهلة زمنية محددة، تلجأ السلطة الفلسطينية الى حل نفسها وتعيد الى اسرائيل مسؤولية إدارة كافة جوانب الحياة في المناطق المحتلة على ان تسعى السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وعلى نحو سلمي للوصول الى نظام «صوت واحد لكل شخص في دولة موحدة» بغرض تبني الشعار السابق للحركة المناهضة للعنصرية في جنوب افريقيا.

فحتى الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في معارضة المطالبة بمنح كل شخص صوت انتخابي. وبذلك يمكن ان تنتهي الى الأبد لعبة تسويف وتطويل عملية السلام مع تعزيز الاحتلال بـ«حقائق جديدة على الارض». الحكومة الاسرائيلية الحالية، المضطربة اصلا، ستنهار بالتأكيد، وسيصبح بذلك السلام ممكنا وأكثر قربا للاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.

الطريق الى السلام القائم على اساس إنشاء دولتين ليس مباشرا ومستقيما. فالقيادة الفلسطينية باتت تدرك الآن فيما يبدو ان الطريق الأقصر الى هذه الوجهة هو في واقع الامر منعطف جانبي يسمح للاسرائيليين بالتركيز على نحو واضح على خيار إنشاء الدولتين، خصوصا في ظل اتضاح شروط الحل القائم على هذا الاساس، وتبني هذا الحل بوصفه «اهون الشرين»، على الاقل، ومن ثم إجراء تغييرات على القيادة الاسرائيلية على نحو ينهي النزاع الاسرائيلي الفلسطيني.

*خبير قانوني دولي وكاتب في شؤون النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني،

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)