الحب والقتل!

TT

تقول كاتبة الروايات البوليسية باتريشيا هاي سميث ان القتل نوع من ممارسة الحب، وهو ايضا من اشكال حب الامتلاك، وتضيف الكاتبة بقولها ان مشاعر الحب تشبه الى حد كبير المشاعر التي تتملك القاتل وهو يجهز على ضحيته، مشيرة الى ان العاشقة تضع اصابع يديها حول عنق حبيبها لتداعبه فيصبح رأسه في يدها كرأس تمثال بارد وصلب، تماما مثل الضحية في جريمة قتل.

افكار باتريشيا هاي سميث غير العادية كانت تخفيها عن الصحافيين الذين فشلوا في الوصول الى اعماق تفكيرها بعد رفضها الاجابة على اسئلتهم بصورة مباشرة، ولذلك كان كتاب التحقيقات الصحافية يستعيضون عن فشلهم في التعرف منها على ما يدور في عقلها من افكار، بوصف ملبسها الذي كان في الغالب يتكون من بنطلون جينز وقميص رجالي وربطة عنق وباتهامها بممارسة الشذوذ.

مثل معظم الكتاب والمشاهير، كانت باتريشيا هاي سميث تفضي بما في اعماق نفسها الى مذكراتها الشخصية، ولقد خطر لها يوما ان تقوم بحرق مذكراتها لكنها لم تقو على القائها في النار. وطوال حياتها لم ينجح احد في الاقتراب من تلك المذكرات حتى هؤلاء الذين اقاموا علاقات حميمة معها.

بعد وفاتها في عام 1995 عهد بمذكرات باتريشيا الى الكاتب اندرو ويلسون الذي استخدمها، بالاضافة الى مواد اخرى في كتابة السيرة الذاتية لها والتي اطلق عليها عنوان «الطيف الجميل» محاولا من خلال كتابته اكتشاف طبيعة عقل هذه الكاتبة التي اثارت فضول العديد من القراء والنقاد، وذلك لما تحمله رواياتها من احداث تثير العجب من العقل الذي وراءها.

لم تكن باتريشيا في رواياتها البوليسية تهتم بنوع الروايات التي لا تتجاوز كونها مجرد الغاز بسيطة تدفع القارئ الى محاولة التعرف على المجرم بين آخرين مشتبه فيهم، وعلى العكس من ذلك يكون في استطاعة قارئ روايات باتريشيا معرفة هوية المجرم منذ السطور الاولى ويكون في مقدوره مصاحبة المجرم في كل جرائمه التي يقوم بارتكابها والتي تشير الى عقله المريض.

كانت باتريشيا متمرسة في قراءة العقول، وكانت رؤيتها للاحداث شاملة، الشيء الذي جعلها قادرة على الحكم السليم على شخصياتها، مما يسهل على القارئ فهم ما يجري من حوله جيدا، ومما يكسب القارئ قدرا من التكهن بتوالي الاحداث، وذلك لان الكاتبة زودته بتفاصيل خريطة عقل الشخصية، وفي رأي باتريشيا ان الكاتب الذي يتمتع بخيال خصب عليه ان ينسى كل شيء عن اخلاقياته الشخصية عند الكتابة.

السؤال الذي يدور في اذهان قراء باتريشيا التي تصور المجرم في رواياتها كأفضل مثال لبطل العصر الحديث صاحب الروح الحرة الطليقة والمتفاعل اجتماعيا مع الحياة والناس، هو كيف كانت صاحبة موهبة كبيرة كباتريشيا تعيش منعزلة داخل حجرات عقلها المرهقة؟

[email protected]