مقال وحجاب

TT

خلال شهر استخدم البعض حالتين لاستثارة المشاعر واشاعة الكراهية وقبلها سعوا الى تحويل قضايا بعيدة الى معارك فكرية وسياسية. واحدة كانت حول مقال في جريدة بريطانية وأخرى بسبب مشروع قرار يمنع بنات المدارس الحكومية من الحجاب ومنع الطلبة والطالبات من لبس القلنسوة اليهودية والصلبان المسيحية.

المقال كتبه مذيع بريطاني ضد العرب اتهمهم فيه بالارهاب السياسي والقمع الاجتماعي، ولا بد ان نقول ان من قرأ المقال لا بد انه شعر بالتقزز لما فيه من عنصرية مقيتة، وتعميم ينم عن مستوى هابط من التفكير.

هذا كله صحيح لكن لا يمكن ان نترك المناسبة من دون التذكير بأن مقالا كهذا جوبه بغضب من غير عرب وغير مسلمين، وبادرت الـ«بي. بي. سي» بابعاد الكاتب من برامجها. وهنا علينا ان نسأل انفسنا هل ندع مقالا يتحول الى قضية في حين ان كاتبه فرد يمثل نفسه وهو الذي استدرك فعلته وحاول تبريره والاعتذار عما كتبه.

ولنسأل انفسنا، ان كان هذا المقال العنصري استفز الكثيرين وآلمهم، ما موقفنا من سيل المقالات والبرامج التي يفيض بها الاعلام العربي تشهر وتحرض ضد الغربيين، اعراقا واديانا؟ كيف لنا ان نغضب من بضع مقالات عندهم ولا نلحظ ما يذيعه بعضنا؟ لا يفرقون فيها بين الحكومات والشعوب، ولا بين السياسيين ودياناتهم فيمعنون في الخلط والايذاء العنصري المقيت.

ثم لنرى كيف يقابل الطرح العنصري على الجانبين. على ضفتنا يندر أن تجد من يواجهه او يرفض نشره او يهتم حتى بالرد عليه، وعلى ضفتهم فان مقالا واحدا جوبه باحتجاجات سياسيين وبرلمانيين واعلاميين وحقوقيين ومن الكنائس وسارعت اكبر مؤسسة تلفزة بريطانية بابعاده رغم شهرة برنامجه وشعبيته، ورغم اعتذار الكاتب وزعمه بأن المقصود كانت الحكومات العربية لا الشعوب.

الحالة الثانية عندما نوت حكومة شيراك منع طالبات المدارس الحكومية من الحجاب. والقرار في رأيي، ورأي كثيرين، كان سيئا في حق فرنسا، البلد المتسامح الذي منح مسلميه الخمسة ملايين حقوقا قلما تمنح مثلها حكومات اسلامية. لكن البعض منا حوله الى معركة هدفها شحن النفوس والعقول ضدهم والتدليل على وجود عداء وحرب معهم. نعم القرار لا يليق بمجتمع يؤمن بالحريات الشخصية ويحترم الديانات، لكن الحقيقة انه لم يخص المسلمين فمنع الاغلبية المسيحية من صلبانهم والتلاميذ اليهود من قلنسواتهم. لم يمنع طلاب المدارس الخاصة ولا المدارس الدينية ولم يمس بقية فئات المجتمع في حياتهم الخاصة. من واجبنا ان نتفهم الدوافع الحقيقية للقرار حيث يرى المسؤولون في فرنسا خطورة الانقسام مع ظهور المد الديني عند اقلية يقابلها رفض من الاغلبية قد ينجم عنه شق للصف يروح ضحيته الأضعف، اي المسلمون. يرى هؤلاء ان تخفيف مظاهر التدين ثمن يستحق ان يدفع لمصالح تخدم وضع المسلمين لاحقا.

تحولت الحالتان الى كرة ثلج لأن هناك اصواتا لم تكن تحتج عن غيرة بل عن رغبة في التأليب.

[email protected]