باسم البرتقالي: الخوف الكاذب الذي أفقد حتى الحدائق دورها..!

TT

قضيت عطلة الشتاء وأنا اشعر بالذعر بسبب التحذيرات الامنية الاخيرة بشأن احتمال وقوع هجمات ارهابية ضد الولايات المتحدة. وبما انني كنت مسافرا خلال هذه العطلة، فقد ازداد احساسي بالخوف مع رفع مستوى التأهب الأمني بواسطة وزارة الامن الداخلي، كما زاد من هذا الاحساس التناول المستمر لاجهزة الإعلام لهذه القضية. إلا ان الذي أثار دهشتي حقا هو مدى استجابتي لهذه الهستريا.

بداية المسألة كانت مختلفة تماما. ففي صباح اليوم الذي غادرت فيه لوس انجليس شاهدت افراد الأمن وهم يفحصون امتعتي، لكنني كنت اشعر بالغضب اكثر من الخوف ازاء المعاملة التي تعرضت لها. فقد وجهت سلطات امن المطار تعليماتها للمسافرين بالاصطفاف، وكانت الاوامر توجه الى المسافرين وكأنهم مشتبه فيهم، فيما ظل رجال الامن باستمرار ينبهون المسافرين بالإبلاغ عن أي سلوك مثير للشكوك. ثم علق مسافر على نفس الرحلة قائلا: «لا تردوا على افراد الأمن وإلا فإنهم سيلقون القبض على من يرد وكأنه ارهابي». كما لاحظت ايضا خوفا وذعرا واضحين على مسافرين آخرين.

جاء بعد ذلك الاسبوع الذي تقرر خلاله إلغاء عدد من الرحلات الجوية، وهو نفس الاسبوع الذي ظهر خلاله عدة مسؤولين على شاشات القنوات الاخبارية ليؤكدوا وجود خطر وشيك. اما في رحلة العودة الى نيويورك، فقد تحول جزء كبير من الغضب الى خوف، اذ بدأت اشعر بالشك في ما اذا كنت سأتمكن من العودة الى مطار لوس انجليس الدولي لدى سماعي إلغاء ست رحلات لشركة الخطوط الجوية الفرنسية بين باريس ولوس انجليس.

قبل وقت قصير من نهاية الرحلة الى نيويورك، وعندما كان الطيار يحلق فوق هادسون، على نحو يمكن من إلقاء نظرة على مانهاتن، كل ما استطعت التفكير حوله هو مدى الخطر المحدق بنا.

حالة التأهب الامني كانت ملحوظة في نيويورك، كما كانت ملحوظة حالة القلق التي اوجدتها التحذيرات الامنية الرسمية من وقوع هجوم ارهابي. فاقم من الإحساس بالكآبة والخوف توجيه الركاب بالانتظار خلف خطوط محددة فيما كان الحراس يفحصون الحقائب، كما فتش حراس آخرون عشرات الحقائب الصغيرة التي تستخدم لحمل كاميرات التصوير وكأن كل شخص في ذلك الطابور كان يخطط لارتكاب حدث كارثي.

قالت سيدة كانت تقف خلفي في طابور امني طويل قبل الدخول الى متحف نيويورك للتاريخ الطبيعي: «السلامة افضل من الندامة». إلا انه بات من المستحيل استيعاب معنى «السلامة». ليس ثمة شك في ان الهجوم المقبل لن يشنه ارهابيون ينتظرون في طابور حتى اذا كان بوسعهم اختبار حديقة عامة مفتوحة او مطعم او ممر جانبي على بعد عشر ياردات من الباب.

تأكد ذلك عندما وصلنا الى المحطة الرئيسية باتجاه المترو. تلقينا التحية من افراد في الحرس الوطني كانوا يرتدون الزي العسكري الرسمي وهم يحملون اسلحتهم. بدأت افكر في تلك اللحظة في طرق الهروب في حال وقوع أي حادثة، إلا انني وعلى نحو مفاجئ تفهمت مدى سخف وعدم جدوى كل ذلك في نهاية الامر.

لا شك في ان الارهاب يعتبر خطرا غير مرئي تعين علينا ان نعيش في ظله وبات أساسا للواقع الذي نعيش فيه حاليا. يجب في تقديري ان نعترف بهذا الواقع ونعد انفسنا على افضل وجه لمواجهته، إلا ان افتراض ان بوسعنا تأمين انفسنا من خلال المراقبة المستمرة ونقاط التفتيش، افتراض خيالي لا صلة له بهذا الواقع. واذا ساوركم أي شك في ذلك، فانظروا الى اسرائيل. اذ اننا كلما اصطففنا في الطوابير ونحن نشعر بالخوف والذعر، كلما ساعدنا الارهابيين على الشعور بتحقيق الانتصار.

تعتبر هذه القضية من ناحية امرا يتعلق بالهوية المدنية. فقد قال بنجامين فرانكلين ان «الذين يضحون بالحرية من اجل الامن لا يستحقون حرية ولا أمنا». كما ان الامر يتعلق ايضا بالكيفية التي نعيش بها حياتنا اليومية وما اذا كان ينبغي علينا الاستسلام ام الوقوف في وجه هذه الحالة الهستيرية. فالتحذيرات الامنية من وقوع هجمات ارهابية لن تجعلنا اكثر امنا وسلامة، وإنما ستجعلنا اكثر خوفا وذعرا، كما انها تضطرنا الى تحويل الساحات والميادين والاماكن العامة الى مناطق مهجورة نتلفت يمنة ويسرى عندما نكون داخلها، بل ونضطر الى الحملقة في بعضنا بعضا بنظرات الشك والارتياب بحثا عن الهجوم المدمر المحتمل، الذي ينتشر الاحساس به داخلنا بصورة تدريجية.

ترى، هل من بديل آخر؟ قضيت بعض الوقت خلال اول ايام العام الجديد وأنا اتحدث مع صديقة تعمل في «تايمز سكوايار»، الذي يعتبر هدفا رئيسيا لأي شخص يسعى للعثور على موقع لتدميره. اكدت الصديقة انها تشعر بالقلق ولكن ليس الى حد المستوى «البرتقالي»، وهو مستوى التأهب الأمني العالي الذي اعلنته السلطات الاميركية في الآونة الاخيرة تحسبا لوقوع هجمات ارهابية. وقالت الصديقة معلقة من باب المزاح: «يجب ان تتذكر انك من سكان كاليفورنيا. الامر اشبه بالعيش في مكان يذهب التوقع الى أنه مهدد بخطر الزلازل».

اعتقد ان الصديقة كانت على صواب. فالخوف، في نهاية الامر، مسألة ملازمة لنا دائما في الحياة اليومية. لكننا، كأفراد، ليس بوسعنا منع الخطر من الحدوث من وقت لآخر، ولكن بوسعنا منعه من السيطرة على حياتنا. الخوف لا يوفر لنا الحماية، وإنما يولد المزيد من الخوف.

*كاتب أميركي

خدمة «لوس انجليس تايمز»