مجلس الحكم العراقي بين قرار صائب وآخر خاطئ

TT

ما كاد يعترينا، مرة جديدة، الشعور بالفخر والاعتزاز حيال موقف لمجلس الحكم العراقي ظهر فيه انه مؤسسة وطنية مسؤولة، على رغم نواقصه غير القليلة، حتى فاجأنا في اليوم التالي بموقف خاطئ جملة وتفصيلا. بل ما كان له ان يقرره لانه ليس من اختصاصه ولا يدخل في صلاحياته باعتباره هيئة مؤقتة غير منتخبة تطوع اعضاؤها لادارة البلاد في ظروف استثنائية للغاية.. صعبة للغاية، تسبب فيها ويتحمل مسؤوليتها الكاملة شخص واحد هو صدام حسين وحزب واحد هو حزب البعث.

باعلانه ان الوقت غير ملائم الآن لانتخاب برلمان انتقالي انتخابا عاما مباشرا تنبثق عنه حكومة تتولى قيادة البلاد في الفترة الانتقالية، انما اتخذ مجلس الحكم القرار الصائب الذي يضع في الاعتبار الأوضاع الصعبة غير المستقرة للبلاد واولويات سكان البلاد الراهنة المتعلقة بالأمن والأحوال المعيشية والخدمات العامة.

لكي تحقق الانتخابات الهدف المبتغى منها، وهو اختيار الممثلين الحقيقيين للشعب العراقي، لا بد من توفير شروطها اللازمة، واولها الأمن والاستقرار، وثانيها الاحصاء السكاني، وثالثها الجهاز الاداري النزيه ورابعها.. وخامسها... وتاسعها ادراك الناس جميعا لهدف الانتخابات، وعاشرها معرفة الجميع ايضا المعرفة الكاملة بسجايا المرشحين وخصالهم وشعاراتهم وافكارهم.. وهذا كله غير متوفر الآن ولن يتوفر في غضون خمسة اشهر او حتى سنة كاملة من الآن.

قرار مجلس الحكم حقق ايضا هدفا عرضيا غير قليل الأهمية، واظن ان اغلبية العراقيين ترغب فيه، وهو التصدي لسعي المؤسسات الدينية للتدخل في شؤون السياسة وادارة البلاد. ومع كامل التقدير والاحترام لها فان المؤسسات والشخصيات الدينية يتعين ان تمتنع، في العراق الجديد الديمقراطي، عن التدخل في السياسية مثلما يتعين على السياسيين عدم التدخل بأي شكل في الشؤون الدينية وعلى الدولة ان تحترم الأديان وتضمن ممارسة الشعائر والطقوس الدينية بحرية كاملة، وهو ما كان منعدما في عهد صدام وعانى منه الناس، وبالأخص رجال الدين والمؤسسات الدينية، أقسى المعاناة.

الاجراء الصحيح الذي يلزم ان يشرع فيه مجلس الحكم الآن لتسلم السلطة من التحالف وانهاء الاحتلال بحلول الأول من يوليو (تموز) المقبل، هو توسيع التحالف السياسي ـ الاجتماعي الذي يمثله الآن والانفتاح على كل القوى والشخصيات ذات النفوذ ـ من خارجه ـ التي ترغب ايضا في اقامة النظام الديمقراطي وازالة التركة الثقيلة من الخراب والتخلف للحقبة البعثية الطويلة، وكذلك تشكيل حكومة جديدة واعادة تشكيل ادارات الدولة على اسس الكفاءة الادارية والمهنية والنزاهة وليس على الأسس الطائفية والحزبية والولاءات الشخصية كما هو جار الآن.

اما قرار مجلس الحكم الخاطئ في جملته وتفصيله وعلى نحو صارخ فهو المتعلق بتشريع قانون جديد للأحوال الشخصية (بدأت نساء العراق اول من امس حركة احتجاجية ضده) يرتد بحال المرأة العراقية الى عصر الحريم وعهود العبودية ويسلب منها حقوقا ـ هي ناقصة في الأساس ـ انتزعتها بالدماء والدموع والمعارك الضارية وكافحت من اجلها، ومعها المثقفون والقوى السياسية المتحضرة لما يزيد عن قرن من الزمان.

مجلس الحكم ليس منتخبا، وهو بالتالي ليس مخولا البت في القضايا الكبرى، وقضية الاحوال الشخصية واحدة منها. انه هيئة مؤقتة لتصريف الأعمال، واجبها الأساسي حفظ الأمن والنظام وتحقيق الاستقرار وتوفير الخدمات العامة وتأمين انهاء فترة الاحتلال ثم الفترة الانتقالية في اقرب فرصة ممكنة والتهيئة لانتخاب مجلس تأسيسي في الوقت المناسب. وما عدا هذا، ومنه قضية الاحوال الشخصية، فليس من اختصاصاته بأي حال. وحتى في القضايا التي تدخل في اختصاصه فليس من حقه اتخاذ قرارات من دون استشارة الوزراء والمختصين وهيئات المجتمع المدني، كما ليس من حق رؤساء المجلس اتخاذ قرارات من وراء ظهر الاعضاء الاخرين، كما حدث مع قرار الاحوال الشخصية هذا.

[email protected]