الفكاهة والعروبة

TT

في مقالتي عن الفكاهة الانغلوسكسونية، اشرت لاعتقاد الغربيين بأننا لا نملك روح النكتة، أو بالاحرى «الهيومر». ذكرت كيف ان صحيفة التايمس ادرجت كتابي «الهيومر العربي السياسي» Arab Political Humour ضمن اغرب عشرة عناوين كتب. فالاعتقاد ان العرب محرومون من روح النكتة والفكاهة. هذا طبعاً رأي خاطىء. فمقاهينا ومجالسنا تضج بالتنكيت والفكاهات. وأدبنا مليء بها. وأنا اعتبر الجاحظ اعظم كاتب فكاهي في القرون الوسطى. ما ينقصنا هو الهيومر والذي لا يعني فقط التنكيت والدعابة، وانما يتضمن ايضاً السماحة ورحابة الصدر والقدرة على تحمل النكتة والسخرية. هذا هو ما نفتقده. الانغلوسكسون يتمتعون بالهيومر لأنهم سادوا العالم فامتلأوا ثقة بأنفسهم ولم تعد تخيفهم أو تزعجهم القفشة.

نحن على طرفي نقيض من ذلك، لا سيما في مرحلتنا الحاضرة السوداء. أي نكتة أو مداعبة تقال على حسابنا تجرحنا وتثير اعصابنا. وهذه محنتي الخاصة ككاتب فكاهي ساخر احاول أن ابيع معطف فراء النمر لانسان عريان. كم أوقعني ذلك بمشاكل مع المسؤولين ومع اصدقائي واقاربي وبني وطني. ولكن هذا قدري ولا حول ولا قوة الا بالله.

كان من آخر هذا الشجن ما كتبته بعنوان «ادفع بالتي هي أحسن».

وجرح بعض اخواني من الفلسطينيين. وأفهم ذلك الآن فأنا امزح في هذه الأيام الكالحة التي يعيشونها. اصبحت مثل من يروي نكتة جنسية في مأتم. ليس لي غير أن اعتذر لهم.

بعيداً عن روح الهزل والمزاح، الفكرة من وراء المقالة فكرة مهمة وجديرة، على الأقل، بالاعتبار. ادفع بالتي هي احسن، وما هو أحسن هو السلام بدل البندقية. الجهاد المدني اللاعنفي بدل القتال في حرب غير متكافئة. لسنوات انا وامثالي ندعو لدولة موحدة من العرب واليهود يعيشون بتفاهم وتعاون واخاء وتحكمهم حكومة منتخبة ديمقراطياً. القيادات الفلسطينية لم ترغب في ذلك لأنهم يريدون دولة عربية مباشرة يتولون هم حكمها. المؤسسة الاسرائيلية لا تريد ذلك لأنهم هم ايضاً يريدون دولة يهودية يتولون هم الحكم فيها ويخشون ازدياد السكان العرب وتحولهم الى اكثرية.

المشكلة في رأيي أن تهديدات العرب بإسقاط اسرائيل ورمي اليهود في البحر ثم تكرر الحروب والتقاتل بين الجانبين واخيراً العمليات الاستشهادية ـ الانتحارية وخطف الطائرات ونحو ذلك سممت العلاقات بين الشعبين وألغيت اية امكانية لتعايشهما وأي استعداد من الجانب الأسرائيلي لتقبل اكثرية عربية تساويهم في الحقوق وربما تتولى حكمهم. الاسرائيليون رغم كل عيوبهم وعنصريتهم وغرورهم، قوم مثقفون يؤمن اكثرهم بالديمقراطية ومنهم اقليات متنفذة تؤمن بالاشتراكية واللاعنف والعيش بسلام. لو أن الفلسطينيين استطاعوا انجاب قادة من نوع مانديلا وغاندي وعبد الغفار خان، لربما استطاعوا كسب شرائح أكبر من المجتمع الاسرائيلي تؤمن بحقوق العرب وبإمكانية العيش معهم بل الخضوع لحكمهم. رغم كل العنصرية الساخرة في افريقيا الجنوبية، استطاع السود ان يقنعوا البيض بحسن نيتهم وعدالة حكمهم وتجاوزهم حزازات الماضي وثاراته وجرائمه. مدوا ايديهم بغصن السلام فتناولها البيض بحكمة وحماس وانقلبت المعادلة من اولها الى آخرها. أوتعجز الأم الفلسطينية عن ولادة مانديلا آخر؟