إعادة الحياة للمسارات

TT

لفصل السوريين عن الاردنيين عن الفلسطينيين في المفاوضات منطق في حينه، على الاقل بالنسبة للاسرائيليين. فقد هون الانفراد بالدول العربية واحدة واحدة الأمر عليهم، وخفف مما اعتبروه المزايدات العربية عندما يكون العرب مع بعضهم في غرفة واحدة. مع هذا لم يفلح الفصل الا عن اتفاق واحد كامل مع الأردن، الذي لم يكن صعبا بوجود نهر الأردن كفاصل. حقق، أيضا، اتفاقات مع الفلسطينيين لكنها لم تمض بعيدا منذ «أوسلو».

وسار السوريون في مفاوضات منفصلة وشارف الجانبان على اتفاق لم يفصل بينهما سوى خلاف على امتار فقط بعد ان وافقت على اعادة الهضبة المحتلة بكاملها حتى بحيرة طبريا، وهو خلاف طرحت له حلول تعطي الدولتين فرصة الاستثمار من خلال شركة دولية في البحيرة. والحقيقة ان سورية، وذلك في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، كانت مستعدة لولا ان الحكومة الاسرائيلية انسحبت فجأة. ومن بين دوافع انسحاب اسرائيل تلويح الجانب الفلسطيني فجأة بورقة مفاوضات اهم وعلى نقاط اساسية كانت مرفوضة في السابق، بينها الارض واللاجئون. البعض اعتبرها حيلة من عرفات القلق من ان تُهمل قضيته فرغّب الاسرائيليين في التفاوض معه من اجل نسف المفاوضات مع سورية. وبالفعل، بالنسبة للاسرائيليين، الذين اخترعوا فك المسارات، وجدوها اثمن فوضعوا التفاوض السوري على الرف وبعدها استؤنف فتح الحديث مع القيادة الفلسطينية واغلق الباب مع دمشق.

اكثر من ثلاث سنوات مرت تغيرت خلالها الخريطة السياسية. فقد انسحب الاسرائيليون من كل جنوب لبنان تقريبا، وصارت هناك قيادة شابة في دمشق، وشاخت القيادة في غزة التي بلغت حالة من العجز لا يمكن معها تأسيس مفاوضات جديدة، خاصة مع بروز فصائل وتنظيمات تنافس فتح والسلطة، كتنظيمي حماس والجهاد.

الآن، كل الاطراف في حاجة الى التفاوض، بعد عجز اسرائيل أمنيا وفشل الفلسطينيين في تحقيق مكاسب وعجز التحرك على الجبهة مع سورية.

هذا الوضع المتشابك يتطلب نظرة جديدة، باعادة المسارات المشتركة على الأقل في مرحلة اولى، بحيث تضم السوريين والفلسطينيين. السبب يكمن في ان اسرائيل ترفض التفاوض مع قيادة فلسطينية مريضة تنازعها قيادات من داخل السلطة وخارجها ولا سبيل لفك قيود هذه القيادة المكبلة بنزاعاتها الا من خلال طرف واحد، هو السوري. وطالما ان اسرائيل تتهم سورية بانها تملك علاقة ما مع تنظيمي حماس والجهاد فان عودة المسارين ستتيح فرصة لامتحان نفوذ دمشق وتخفيف العبء عن القيادة الفلسطينية المحاصرة داخليا وخارجيا.

اسرائيل هي التي فككت التفاوض بعد مؤتمر مدريد الذي اسس للمفاوضات الجماعية، هذا التفكيك لم يعد يفيد اسرائيل خاصة في المنطقة المعقدة، اي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتأكيد لا يصب في صالح المجموعة العربية.