انقذوا الداخل من الجمعيات

TT

احدثت مؤسسة الحرمين الخيرية جدلاً أكثر من اي جمعية اخرى، وراجت اشاعات كثيرة حولها، واستثنتها الحكومة الاميركية بالملاحقة أمس واحيل اسمها على قائمة الامم المتحدة الراصدة للجمعيات والافراد الملاحقين.

وربما تكون خطوة أخرى في حالة يقول البعض انها تعبر عن هوس اميركي، وعسى الا تكون تصرفات خطيرة من قبل هذه الجمعية او من بعض العاملين فيها، اما عن سذاجة او ارتباط سياسي مرفوض. و«الحرمين» استهدفت بالنصح والتمني بالتعقل أكثر من بقية الجمعيات وطلب منها ان تدع ما يريبها لكنها كانت اكثر تحديا حتى اخضعت لاحقا لسلسلة اجراءات لمنعها من العمل الخارجي باغلاق كل مكاتبها الخارجية قسرا وآخرها في كرواتيا والبوسنة والبانيا وكوسوفا والصومال. والخطير، كما يزعم الاميركيون، ان الجمعية عادت للعمل تحت مسميات أخرى، متحدية من جديد الجميع لتصعد القضية وقد تنتهي نهاية مؤسفة للمؤسسة بكاملها.

وهنا نتساءل لماذا تعمد جمعيات خيرية الى تعريض، لا الجمعيات وموظفيها وحدهم للمخاطر، بل البلد كله الى قضايا وتهم وملاحقات نحن جميعا في غنى عنها؟

بكل أسف ان قضية الجمعيات الخيرية عرضت السعودية الى مخاطر حقيقية، وكل ما نراه من دعاوى وملاحقات في المحاكم في الولايات المتحدة مثال على ذلك، وتسببت في التضييق على المؤسسات التجارية والمؤسسة الرسمية، فهل يعقل ان تترك مصالح هذه الأمة من اجل ارضاء مجموعة من المتحمسين لتغيير العالم باموالهم او من اجل تفادي اغضاب مجموعة لها مشروعها السياسي؟

وما قاله المدير العام المكلف لمؤسسة الحرمين الخيرية في الزميلة «عكاظ» يدعو للارتياح ان الجمعية المشاغبة قررت التحول الى العمل الداخلي، لكن هذا أيضا يشعرنا بالقلق. فالخوف ان هذه الجمعيات بدأت عمليا في نقل معاركها الخارجية الى الداخل، لا نقل اموالها للمحتاجين كما كنا نتمنى عليها. ومن دون ضابط لها سيصبح حجم الضرر الذي تلحقه الجمعيات المسيسة بالبلد اكبر من ان يحتمل غدا، وكما يقال فالذي اوله شرط آخره سلام. وشرطنا ان تلزم الجمعيات ان تمنح الدعم فقط لجهات محدودة ولقضايا محددة أيضا. فالشائعات اليوم تقول ان اموالا كثيرة حولت فجأة الى مؤسسات اعلامية ومواقع إلكترونية واشرطة ومدارس، ولو صحت هذه الروايات فاننا هذه الجمعيات تدخل البلاد في نفق خطر جديد، في وقت تتكاتف فيه الجهود لمحاربة التكفيريين ودعاة الكراهية والصدام.

ان كانت هذه الجمعيات صادقة في طروحاتها بتقديم العون للمحتاجين، وانا ادرك ان معظمها كذلك، فان هناك قائمة طويلة من الحاجات اولها برنامج مكافحة الفقر. والفقر يجب ان يجعلنا ان نخجل جميعا من وجوده في بلد يملك كل هذا الثراء وكل هذه الأريحية. هناك حاجات المرضى والذين بلا وظائف والمديونين والمسجونين والارامل واليتامى والمطلقات، وكل هذه اكبر من وعاء الجمعيات. أما أن تصرف اموال المحسنين على محطات تلفزيون ومواقع انترنت ودروس واشرطة واعلانات في الشوارع والتلفزيون فانه ليس عملا خيريا بل عمل سياسي سنحصد ثمنه غاليا غدا، ويجب ان يوقف. كفى ما فعله سعوديون بارواحهم واموالهم من تخريب في بلدان العالم، ثم ما فعلوه في حق بلدهم ومواطنيهم. واذا تركت الساحة الداخلية لهم مفتوحة فانه خطأ ويمثل خطرا حقيقيا. لتأخذ الجمعيات فرصتها بالعمل في الداخل لكن عليها ان تنفق المال في وجهه المحدد له او ان تغلق ابوابها.