البديل الأميركي المنشود

TT

يتوجه الناخبون الديمقراطيون في ولاية نيوهامبشير الأميركية الجبلية الصغيرة، يوم بعد غد، الى أقلام الاقتراع مفتتحين الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحهم لانتخابات الرئاسة ضد الرئيس الحالي جورج بوش (الابن).

تجربة نيوهامبشير هي ثاني تجارب مسيرة المفاضلة والاختيار بعد «تجمعات» ولاية ايوا، الا انها اول «انتخابات» فعلية. ولا شك ان ما حصل في ايوا قلب الكثير من التوقعات، وبالتالي فرض تبديل تكتيك المرشحين الباقين في الميدان، ناهيك من انه أخرج من الساحة مرشحَين اثنين كان أحدهما، ريتشارد غيبهارت، أحد المرشحين الجديّين.

نيوهامبشير بحد ذاتها، مثل ايوا من قبلها، لا تصلح مقياساً للتعميم، غير انها ستكون حلقة مهمة تختبر فيها قوة الدفع التي يتمتع بها هذا المرشح أو ذاك. وهي في هذه المرحلة المبكرة، بالذات، مهمة جداً لخمسة من المرشحين هم: حاكم ولاية فيرمونت السابق هوارد دين والسناتور جون كيري (ماساتشوستس) والسناتور جو ليبرمان (كونكتيكت) والجنرال ويزلي كلارك ... وبدرجة أقل السناتور جون ادواردز (نورث كارولينا).

بالنسبة للثلاثة الأوائل تدور رحى المنافسة في احدى ولايات اقليمهم نيو انغلاند، حيث ما زالت معظم التقاليد الأوروبية الليبرالية الديمقراطية راسخة ومحترمة. وهذا يعني ان من سيتخلف منهم عن الطليعة مكتفياً بحصيلة محدودة من الأصوات سيتعرض لنكسة يمكن ان تؤدي الى التعجيل بخروجه من السباق.

ليبرمان سبق ان جرّب حظه على المستوى الوطني عندما خاض مع آل غور الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2000 مرشحاً لمنصب نائب الرئيس. ولكن هل سيستطيع ليبرمان، اليهودي الوحيد بين المرشحين (دين زوجته يهودية)، والمحسوب على يمين الحزب تحقيق الاختراق المطلوب خارج نيوانغلاند ونيويورك في الشمال الشرقي الأميركي؟ هل سيكسب «ليبراليي» كاليفورنيا وماريلاند ومينيسوتا ونقابيي ميشيغن وايلينوي ومتشددي البروتستانت في «حزام الانجيل»؟ ... شخصياً أشك في ذلك.

أما دين، فيعد المرشح الأكثر «يسارية» بين المرشحين. ومعلوم ان الحاكم السابق لفيرمونت (احدى اصغر الولايات الأميركية) انطلق بقوة وحصل على تبرعات سخية ودعم ثمين من بعض أقطاب الحزب الديمقراطي، لكنه مني بنكسة مؤلمة في ايوا. وهو اذا ما خسر في نيوهامبشير فسيجد على الأرجح صعوبة كبيرة في المحافظة على تماسك حملته.

شيء آخر ليس في مصلحة دين، هو انه راديكالي و«طيب» أكثر من اللزوم ينطبق عليه المثل القائل «قد يصلح صهراً ممتازاً ...لكن ليس بالضرورة مرشحاً رئاسياً ناجحاً». ولذا فهو المرشح الذي يأمل مخططو حملة بوش ان يفوز بترشيح الديمقراطيين لأنه في رأيهم سيكون الخصم الأسهل هزيمته. والواقع ان تجربة الديمقراطيين مع أمثاله من المرشحين «الطيبين» كجورج ماكغفرن عام 1972 ومايكل دوكاكيس عام 1988 كارثية. فهذان كسبا قلوب المحازبين المتحمسين لكن مثالياتهما الليبرالية حرمتهما من كسب الناخبين غير الملتزمين.

بناء عليه يبقى في الميدان ثلاثة مرشحين أزعم انهم كلهم مؤهلون لمنافسة جورج بوش ـ وربما التغلب عليه ـ ما لم يرتكبوا أخطاء قاتلة خلال مسيرة «الغربلة» الطويلة حتى انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في بوسطن، في أواخر يوليو (تموز) المقبل.

الثلاثة هم كيري وكلارك وادواردز.

يتمتع كل من هؤلاء بمزايا أكبر بكثير من نقاط ضعفه. وسيخلق أي من الثلاثة مصاعب جدية لمخططي حملة بوش ولا سيما اذا ما اختار المخططون ان يكون تركيزهم على موضوع الأمن القومي ومكافحة الارهاب. فكيري وادواردز أيّدا أصلاً الحرب على العراق. كما ان كيري من أبطال المحاربين القدماء. أما كلارك فقائد سابق لامع في حلف شمال الاطلسي ولا غبار على قدراته العسكرية ولا على ثقافته السياسية (يحمل ماجستير في السياسة من جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة)... في حين لا تزيد خبرة بوش العسكرية الميدانية عن خدمته في الحرس الوطني بولاية تكساس حيث جنّب التجنيد لحرب فيتنام.

من ناحية ثانية، يأتي كل من ادواردز وكلارك من ولايات الجنوب المحافظ. واذا ما استطاع أي منهما كسب الترشيح فقد يتمكن ـ نظرياً ـ حرمان بوش من احدى أو بعض ولايات الجنوب التي اكتسحها عام 2000 .

حتى الآن المبادرة في يد بوش. فهو الذي بيده ان يخسر الانتخابات أو يربحها. لكن على الديمقراطيين، على الأقل، اختيار الشخصية الأقدر على التغلب عليه اذا فقد أفضليته كرئيس في السلطة يبتزّ ناخبيه بحرب خارجية ...هو الذي أعلنها ولم تفرض عليه.

تبقى مسألة واحدة تتعلق بالممارسة الحرة والمسؤولة في مجتمع ديمقراطي هي اتجاه تصويت العرب والمسلمين الأميركيين.

لقد اكتشف هؤلاء بالدليل المحسوس يوماً بيوم، منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001، النهج الفكري الحقيقي لليمين الجمهوري المتشدد مع كل ابعاد تطبيقه العملي. فهل سيمحضونه ثقتهم مرة أخرى، أم سيختارون تجربة البديل؟