مؤتمر ناقص

TT

اشعر بالدهشة لأن البعض سعيد بمشاركة عشر سيدات سعوديات في مؤتمر رجال الاعمال في جدة، الدهشة لأنه ديكور صغير استولى على كل هذا الاهتمام المحلي والدولي ايضا. فهو في نظري لا يستحق ان يوصف بأنه حتى ربع خطوة الى الامام. اذا اردتم ان تفهموا ضآلة الخطوة فانظروا الى الصورة الكبيرة، قارنوا هذه الربع خطوة الى الامام بألف خطوة الى الوراء التي حدثت في الاسبوع نفسه. فقد سارع محافظ المؤسسة العامة للتعليم الفني الدكتور علي الغفيص الى التبرؤ من رواية تأسيس كلية نسائية للتقنية. وبالتالي صار الحظر ساريا على ثلاثة ملايين امرأة حرمن رسميا الا يتعلمن نصف العلم اليوم، أي التعليم التقني. إذاً ما قيمة عشر سيدات اعمال في مؤتمر رجال اعمال تنتهي فعالياته ونتائجه الحقيقية بعد ان يخرج المدعوون ويدخل عمال التنظيف، ولا يبقى منه سوى صور تذكارية؟

دخول المرأة ذاتيا في مجال الاعمال قديم نسبيا، وناجح نسبيا. السبب في ذلك لا يعود كله للحكومة بل للقطاع وللمرأة نفسها، أيضا، لأن ميادين التجارة حرة بطبيعتها. والحقيقة ما كانت سيدة محترمة وناجحة مثل لبنى العليان قد اخذت مكانتها الا برغبتها وعائلتها، فهي لم تولد وتنجح في مهنتها البارحة وبسبب المؤتمر او التطور الاجتماعي الحديث، قطعا لا.

وما قاله الغفيص، مسؤول اهم قطاع في المملكة اليوم، قطاع تأهيل الشباب للتقنية، يدعو للقلق لأن فيه رفضا بادخال النساء في مجال تعلم التقنية، واستمرارا في فرض تعليم مهنة واحدة عليهن هي التدريس. صار قرار الامتناع عن تأسيس معاهد تقنية لهن هو في حقيقة الامر قرار منعهن من العمل، قيل بلغة حريرية. فهل يعرف احدكم مهنة تستطيع ان تدار اليوم بلا تقنية، بما فيها المهن الدينية؟

فتح كليات تقنية للفتيات مطلب تافه في بلد أخذ الخطوة الرئيسية والصعبة بتعليم المرأة منذ أكثر من ثلث قرن، ولهذا فإن قرار الرفض سيؤثر سلبا على وضع البلد الى مائة عام أخرى اقتصاديا واجتماعيا، اما ظهور عشر سيدات في مؤتمر فليس اكثر من صورة تجميلية قد تمنحهن شيئا من الثقة في النفس. وما قيمة الثقة لمشاركات يملكن من الثقة اصلا والمال اكبر من معظم حضور المؤتمر من الرجال؟ وما قيمة اعطائهن الثقة وحرمانهن من المعاهد والوظائف؟ ما هي قيمة ظهور عشر سيدات في حق ثلاثة ملايين فتاة ممنوعات من الدراسة الحقيقية؟