قبائل جمهوريات الخوف

TT

خلقنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف فتحاربنا وصار الثأر ميزة قبلية تصنع التقاليد والسياسات والثقافات، لكن هل ما زلنا في بعض البلاد العربية مطلع القرن الحادي والعشرين مجتمعا قبليا....؟

الاميركيون يعتقدون ذلك فقد كشفت صحيفة «اندبندنت اون صندي» في عددها الصادر يوم 18 ـ 1 ـ 2004 عن قيام العميد «ألن كينغ» رئيس مكتب شؤون القبائل الذي أنشأته سلطات الاحتلال الشهر الماضي بالاعتماد على صفحات من تقرير بريطاني وضع عام 1918 عن التركيبة القبلية العراقية لسبر أغوار الفكرة الجهنمية القائلة بتسليم الجزء الاساسي من السلطة في العراق الصيف القادم لتركيبة من شيوخ القبائل والطوائف في محاولة لتأجيل الانتخابات التي يعرفون سلفا من سيفوز فيها ان تمت قبل ذلك الموعد المرتقب.

والفصل الجديد في ديمقراطية المضحك المبكي ان اية الله العظمى السيستاني الذي يفترض حسب الفهم العقائدي والغربي ان يكون محافظا وجامدا ومؤمنا بالسلطة المطلقة لامام الزمان يصر على الديمقراطية واجراء الانتخابات فورا بينما الدولة العظمى التي جاءت لنشر الديمقراطية في المنطقة تستميت لتؤجل الانتخابات.

لقد قيل لاميركا قبل ان تحتل العراق ان الديمقراطية يمكن ان تأتي بقوى معادية لمصالحها، ففي تقرير تسلمه البيت الابيض في سبتمبر (ايلول) 2003 من وكالة الاستخبارات الاميركية اي قبل الحرب بستة أشهر حذرت الوكالة التي كانت تعلم ان الحرب قائمة لا محالة ان الالحاح على الاغنية الديمقراطية قد يكون له مفعول عكسي في بلد كالعراق لكن الادارة الاميركية مضت في خططها ولم تلتفت الى ذلك التحذير ولا الى غيره فخطط الحرب كما علمنا من أحدث كتاب اميركي لرجل خدم مع بوش كوزير خزانة بدأ رسميا في الاسابيع الاولى لوصول الرئيس الحالي الى السلطة فقد كان يريد حربا بأي ثمن ولأي سبب وقد حصل على ما اراد وظن نفسه منتصرا الى ان اصطدمت كل المشاريع بالتركيبة العراقية التي استعصت على الحجاج أشهر الولاة الديمقراطيين في التاريخ العربي كما استعصت على بريطانيا وتركيا وكل العهود الملكية والجمهورية في العراق الحديث.

وفي مسألة اعتماد اميركا على تقارير بريطانية عن القبائل العراقية عمرها اكثر من ثمانين عاما لا تعرف ايضا هل تضحك ام تبكي أم تثني على فهم هؤلاء الناس الذين ادركوا خلال بضعة اشهر ان مجتمعاتنا لم تتغير كثيرا منذ الثورة العربية الكبرى التي وضعت فيصل الاول على عرش دمشق ثم دحرجته لدواعي التقسيم الاستعماري القديم الى العراق كما دحرجت اخوه من قبيل الحرج الى امارة شرق الاردن التي لا تقل تركيبتها القبلية تعقيدا عن تركيبة العراق لكن هل يستقيم عقلا ان تبقى التركيبة القبلية العراقية على ما هي عليه بعد ملكية وجمهورية شيوعية ثم جمهورية بعثية ثم جمهورية خوف....؟

الارجح انها بقيت فقد كان مجلس القبائل او ما يوازيه من تنظيمات باسماء اخرى موجودا في معظم الجمهوريات والجماهيريات الثورية رغم كل الشعارات التقدمية الناسفة نظريا لكل ما هو قديم وغير عصري فالسياسة العربية في تركيبتها الاساسية قبلية الطابع لأن معظم الاحزاب الثورية لم تكن الا قبائل جديدة ولكن باسماء واساليب عمل أخرى ليست بالضرورة أرقى من الاسلوب القبلي وهذه مسائل لا خلاف عليها فكلنا شاهدنا النتائج الكارثية لتلك السياسات الرشيدة.

والسؤالان الاساسيان بعد انكشاف هذا التوجه الاميركي هل المرحلة المقبلة مرحلة انتكاسة أم تقدم...؟ وهل اريقت كل هذه الانهار من الدماء العربية منذ عام 1918 الى اليوم ليعود العراق ـ وربما غيره ـ الى الحكم القبلي...؟