لماذا ألمانيا؟

TT

تتم بعد غد الخميس عملية تبادل هائلة الحجم والمغزى بين «حزب الله» واسرائيل يفرج من خلالها عن كبار الاسرى اللبنانيين وعن 400 اسير فلسطيني. لا جديد في الامر. ثمة سابقات كثيرة من هذا النوع، بين المقاومة اللبنانية، او الفلسطينية، واسرائيل. المهم في العملية امران: الاول حجمها المعنوي والسياسي لصالح «حزب الله» ودوره في الافراج عن المعتقلين الفلسطينيين، اما الامر الثاني، فهو الوسيط: لماذا المانيا؟ ما هو دورها؟ لماذا قررت اتخاذ مثل هذه المبادرة؟

ليست لديَّ اي معلومات او حتى اشاعات في هذا الحقل. انما احاول ان ابني على بضع مطالعات ظاهرية في الدور الالماني. اهم الاشارات ان المستشار غيرهارد شرودر خاض معركته الانتخابية تحت شعار معاداة الحرب على العراق. وقد اوردت في هذه الزاوية انذاك التهديد الذي وجهه الكاتب الاميركي جيم هوغلاند للمستشار الالماني. لقد نسقت المانيا مع فرنسا، في موقف اثار دونالد رامسفلد وجعله ينتقد «القارة الهرمة». وبعد سقوط بغداد لم تغير برلين موقفها. وقام شرودر بجولة عربية واسعة هدفها التقارب مع العرب. ولكن كان واضحاً ايضاً ان لا شرودر ولا وزير خارجيته الهر يوشكا فيشر، يريدان اثارة المزيد من العداء الاميركي. مع العلم ان فيشر خاطب رامسفلد قائلاً في البرلمان الالماني: «انظر اليَّ جيداً. انك لم تقنعني بعد بالحكمة من مهاجمة العراق».

تريد المانيا (وفرنسا) سياسة عربية اسلامية مستقلة ولكن من دون الخروج على الحساسية الاميركية والغضب الاميركي. وهي لا تأخذ في الاعتبار فقط النواحي او الفوائد الاقتصادية بل ايضاً وضعها الداخلي وكثافة الجالية الاسلامية لديها. اما بالنسبة الى لبنان فالمسألة تذهب الى ابعد من ذلك بضع خطوات. فمنذ نهاية الحرب اللبنانية تطالب برلين بيروت باسترداد 65 الف لبناني دخلوا اليها كلاجئين سياسيين بسبب القتال. وجاء الهر فيشر بنفسه الى بيروت قبل عامين، كما كان قد سبقه سلفه قبل ذلك، في محاولة للوصول الى تسوية. والاسبوع الماضي جاء الى بيروت مبعوث الماني رفيع آخر، اعلن في نهاية الزيارة انه تم الاتفاق على اعادة 10 آلاف لبناني الى وطنهم.

الوساطة حول الاسرى تبدو اذن جزءاً من بادرة المانية موسعة كان احد اهدافها الرئيسية اظهار مبادرة حسنة تجاه الجنوبيين اللبنانيين الذين يشكلون الاكثرية الساحقة من مجموعة المهاجرين الذين طلبوا اللجوء ثم تلكأوا في العودة. لكن ايضا يجب الا نجرد السياسة الخارجية الالمانية من اطارها العربي الواسع ونحصرها في المبادلة مع لبنان. فالشرق الأوسط اليوم على طاولة الحدث في برلين تماماً كما هو في باريس او لندن او حتى اسبانيا، التي اكتشفت او تذكرت في السنوات الاخيرة ان جوارها عربي وان جزيرة مثل جزيرة «البقدونس» يمكن ان تشكل لها ولأميركا ولأوروبا قضية شديدة الانفجار!