مشاهد سورية الأربعة (2 ـ 4)

TT

المشهد الاقتصادي السوري يبدو اكثر المشاهد اثارة، وهو مشهد يجمع متناقضات لا يربطها رابط، ويبدو فيها الصيف والشتاء على سطح واحد.

السوريون اشطر شعوب الشرق الاوسط في التجارة، والتاريخ يشهد لهم بالريادة والمثابرة، وفي الوقت ذاته يظل الاقتصاد السوري اكثر الاقتصادات العربية جمودا، وتظل سيطرة الدولة على السوق وتدخلها فيها اكبر من اية دولة اخرى بعد انتهاء عهد الاشتراكية الناصرية، وتجربة الكتاب الاخضر الليبي، وتجربة النظام الاشتراكي في جنوب اليمن، ونظام الوحدة والحرية والاشتراكية العراقي الذي انتهى بكارثة.

لدى السوريين مليارات الدولارات الموظفة في كل قارات الارض من استراليا الى جنوب اميركا، ومن كندا الى الولايات المتحدة ولكن استثمارات رجال الاعمال السوريين في سورية هي استثمارات متواضعة بسبب سيطرة الدولة، وسيطرة البيروقراطية الحكومية والشكوى المستمرة من غياب تكافؤ الفرص ودخول عوامل غير اقتصادية لتفضيل شركة على اخرى، ورجل اعمال على آخر.

كيف نفهم ان بعض سفارات الدول الاجنبية في دمشق تضع حسابات في بنوك لبنانية في شتورا وغيرها من المدن اللبنانية، وكيف نفهم ان نظام بطاقات الائتمان لم يُسمح به الا منذ مدة قصيرة، وكيف نفهم مشاكل دخول وخروج العملة الاجنبية. والمؤسف ان التصريحات المتعلقة باصلاح الاقتصاد السوري وتشجيع الاستثمار الاجنبي لا تعد ولا تحصى ولكن التجربة العملية عكس ذلك.

الانفتاح الاقتصادي السوري ضرورة لانقاذ البلد من الجمود وعوامل القوة الاقتصادية السورية من رأسمالية نشطة ويد عاملة مؤهلة، وصناعات وحرف جيدة، ومنتجات زراعية وفيرة يمكن ان تحرك الوضع الاقتصادي السوري وتوجد فرص عمل كثيرة لآلاف الشباب، وتدخل استثمارات اجنبية كبيرة. ومن دون اصلاح اقتصادي يتخلى عن سيطرة الدولة على السوق فان قوة سورية السياسية ستضعف وخاصة اذا تذكرنا ان السياسة هي اقتصاد مكثف كما يقولون.