سوريا في مربع الخطر؟!

TT

«سوريا لاعب أم ساحة للعب؟!» كان عنوان المقال الذي وعدت بتتمته في 2003/10/14 ولم اكمله، وها هي الظروف والمستجدات تجبرني على اكماله، حيث لاح في الأفق اخيرا صراع محتدم بين وزارة الخارجية من ناحية والبنتاجون من ناحية اخرى حول ما يجب اتخاذه من اجراءات تجاه سوريا ولبنان وتحديدا حزب الله. وحيث ترى الخارجية ان سوريا هدف سياسي يمكن التعامل معه من خلال الضغط الدبلوماسي، يرى البنتاجون ان سوريا ولبنان الآن هما هدف عسكري، وكنت في مقالين سابقين قد انحزت الى وجهة نظر الخارجية التي قررت التعامل مع سوريا من خلال الادوات الدبلوماسية، ثم عدلت عن موقفي عندما وضع شارون لوحة الشطرنج الاقليمية في حالة «كش ملك» عندما ضربت طائراته في عين الصاحب بالقرب من دمشق، وتراءى لي ساعتها اننا امام مثلث من علاقات القوى التي تحاول حصار سوريا، أحد اضلاع المثلث كان البنتاجون، اما ضلعه الثاني فكان الكونجرس الذي فرض قانون محاسبة سوريا، واخيرا اللوبي الاسرائيلي واسرائيل التي دفعت باتجاه المواجهة العسكرية، اما الآن فنحن امام مربع مكون من الخارجية الأمريكية التي بدأت في تغيير موقفها تجاه سوريا، وخصوصا تجاه حزب الله، والذي وصف اخيرا في تعليق مسؤول أمريكي كبير بالآتي: «اذا كانت القاعدة وأسامة بن لادن هم الفريق B للارهاب، فان حزب الله يمثل الفريق A». ومعنى ذلك، ان أسامة وجماعته هم الفريق الاحتياطي لحزب الله بلغة الرياضة، وفي هذا القول تصعيد غير مسبوق من قبل الخارجية الأمريكية التي يراها البعض انها جناح الحمائم في هذه الادارة. اذن سوريا الآن بين مربع اضلاعه الخارجية والبنتاجون والكونجرس واسرائيل، ورغم الجهود التي تبذلها قوة اقليمية كتركيا كما اشارت زميلتنا هدى الحسيني في مقال سابق، الا ان هذه ربما تأتي متأخرة. اذا كان الهدف منها انقاذ الموقف، اضافة الى الجهود التركية، هناك جهود سعودية ومصرية وعربية اخرى، ولكن هل يغير ذلك من حالة الحصار التي بدأ يفرضها ضيق الخناق الممثل في المربع الجديد، قبل ان نخوض في زيادة الضغوط في البنتاجون التي تتجه الى التصعيد والتي نشرتها «الشرق الأوسط» في صفحتها الأولى يوم 2004/1/25، لا بد وان نرسم ملامح رؤية الخارجية لسوريا وكذلك رؤية الاجهزة الاخرى التي تتعاطى مع دمشق.

سوريا في الرؤية الأولى لهذه الادارة كانت ضمن خمس دول تمثل «محور الشر» على حد قول دبلوماسي أمريكي، ثم رفع اسم كل من سوريا وليبيا من هذا المحور، لتبقى كوريا الشمالية، وعراق صدام، وايران، هم ثلاثي الشر من وجهة نظر الادارة، ولكن هذا لا يعني ان سوريا رفعت تماما من القائمة، وليبيا من وجهة نظره قد انقذت نفسها بتخليها الطوعي عن برامجها العسكرية واستجابتها لمطالب واشنطن، اما سوريا فلم تستجب حتى هذه اللحظة، ومن وجهة نظره ايضا ربما لم تكن المطالب الأمريكية لسوريا محددة بشكل واضح كي تسهل الاستجابة. ورغم وجود تعاون مخابراتي بين سوريا وأمريكا في ملف الارهاب، الا ان مثل هذا التعاون لا يؤدي الى أي مردود سياسي فيما يخص الكونجرس الأمريكي والرأي العام، وذلك لأن رجال المخابرات لا يستطيعون الاعلان عما يتعاونون فيه مع سوريا، وعليه فاذا ما سألهم عضو الكونجرس عن نوعية التعاون او قيمته يجيء رد حال المخابرات «هذا سري» ولا يمكن الحديث عنه. ومن هنا خسرت سوريا الكونجرس ومر قانون محاسبة سوريا.

سوريا ايضا بدأت تخسر في الخارجية الأمريكية وهذا هو الامر اللافت للنظر، حيث كانت تعول دمشق على ان الخارجية الأمريكية بقيادة رجل معتدل مثل كولن باول ستكون قادرة على اقناع الادارة بالعدول عن استخدام القوة تجاه سوريا.

بعض الدبلوماسيين الأمريكيين الآن يغيرون مواقفهم تجاه سوريا لدرجة ان بعضهم اقتنع بأن العصا لا الجزرة هي السياسة التي تفهمها دمشق وان سياسة المرونة واللين مع سوريا تؤدي الى نتائج عكسية. هذا التغير ربما ليس نتيجة لأي شيء او تصرف تكون سوريا قد قامت به مؤخرا، بقدر ما هو نتيجة لحالة الشد والجذب القائمة بين الخارجية والبنتاجون، حالة يبدو ان البنتاجون بدأ يكسب فيها الجولة بعد دخول الكونجرس على الخط وقدرة اللوبي المعادي لسوريا على تمرير قانون محاسبة سوريا الذي وقعه البيت الأبيض ايضا.

قانون محاسبة سوريا ليس بالامر المهم اذا ما نظرنا الى العلاقات التجارية بين سوريا والولايات المتحدة، ولكن قيمة القانون السياسية تصب فيما يمكن تسميته بـ«شيطنة» النظام السوري، أي ان تجعل منه شيطانا.

وشيطنة النظام هي الخطوة الكبرى فيما يخص تهيئة الرأي العام لضربه، أيا كان هذا النظام سوريا او ايرانيا او خلافهما.

جزء من استراتيجة شيطنة النظام هو ما يسربه البنتاجون من معلومات تتحدث عن اسلحة سوريا وقدراتها التدميرية، وهذا ما شاهدناه لفترة الآن مضافا اليها شيطنة دور سوريا في العراق من خلال اتهامها بتسريب المقاتلين عبر حدودها، ومن خلال دور سوريا في تنشيط المقاومة العراقية ومدها بالاموال والعتاد.

وما ان خلصنا من مرحلة الشيطنة حتى دخلنا على حالة التسريب المعلن لدراسات في البنتاجون تتعاطى مع امكانية ضرب كل من سوريا وحزب الله في وقت واحد. هذه التصورات بالطبع بالنسبة للمتابعين للموقف في الشرق الأوسط قادمة من تصور ريتشارد بيرل في كتابه الاخير للقضاء على شر الارهاب.

تسريب مثل هذه المعلومات للمحللين السياسيين وللاعلام هو نوع من الضغط على سوريا وربما ليس خروجا عن التصور الأول الذي يقول بأن سوريا هدف سياسي وليس عسكريا، ولكن الذي يعرف صقور البنتاجون يرى فيهم من الرعونة والقدرة على المقامرة لدرجة عدم استبعاد استخدام القوة العسكرية كخيار، فذلك كان موقفهم مع صدام، رغم انهم لم يكونوا يملكون خطة متكاملة الا انهم دخلوا الحرب.

واذكر ان كثيرا من التحليلات قبل الحرب كانت تراهن على قبول صدام لشروط واشنطن وبالتالي تفوت الفرصة، شروط رفضها صدام فدفع الثمن، وهي نفس الشروط التي قبلتها ليبيا فنجت من المصيدة، ترى كيف ستتصرف سوريا، هل سترفض كصدام؟! ام ستقبل مثل ليبيا؟! ام انها ستقف في منطقة بين النموذجين؟! وهل أي موقف ستطوره سوريا سيكون مقبولا بنسبة لمربع الضغط الجديد؟

رغم انني اتحدى ريتشارد بيرل وجماعته في ان يضعوا أي ضربة على حزب الله او على سوريا في مفهوم استراتيجي Strategic Concept، بمعنى ان مثل هذا التصرف سيكون أرعن ومتهورا استراتيجيا وسياسيا، الا ان الرعونة هي صفة لا استبعدها عن هذه الجماعة، ولذلك لا يبقى امام سوريا الآن الا ان تأخذ الموضوع مأخذ الجد مهما كانت الحسابات التي ترجح عدم الضرب من انتخابات أمريكية وخلافه. الجماعة لا يجيدون الحساب، وهذا المربع جد خطير.