حرب مخاوف متبادلة

TT

بدأت الغالبية الشيعية في العراق تركز اهتمامها بصورة متزايدة على موضوع السيادة السياسية على البلاد، محاولة سحبها من الحاكم المدني بول بريمر والطاقم العامل معه في بغداد. وبات من الواجب على ادارة الرئيس جورج بوش الترحيب والمساعدة في هذا التحول الصامت، بدلا من القتال بغرض الاحتفاظ بسلطة ربما تواجه التراجع والتلاشي التدريجي.

هذه السلطة ستنتهي في كل الاحوال بنهاية يونيو (حزيران) المقبل، وهو التاريخ الذي حدد كموعد نهائي لنقل الولايات المتحدة السيادة الى العراقيين. هذا الموعد النهائي يعتبر بمثابة قضية ثابتة وسط سلسلة من المفاوضات بين منظمة الامم المتحدة وواشنطن حول إنهاء احتلال العراق.

فإصرار بريمر القوي والمستمر على السيطرة على أصغر تفاصيل الاحتلال، قد ضعف بالفعل عملية سياسية وليدة في العراق ادت الى عقد اجتماعات على مستوى رفيع في كل من نيويورك وواشنطن هذا الاسبوع. فنهج بول بريمر الاقرب الى الجزم والتأكيد عادة، راوح بين المواقف التي تنم عن ردود الفعل والآراء السلبية خلال الاجتماعات التي جرت في الامم المتحدة والبيت الابيض.

ويبدو واضحا ان آية الله العظمى علي السيستاني والقياديين الشيعة من اعضاء مجلس الحكم الانتقالي، يعملون بصورة اكثر انسجاما على نحو لا تدركه الولايات المتحدة. اذ يتفق هؤلاء على الهدف المتمثل في ان الاغلبية الشيعية لا ينبغي ان تقع ضحية للغش والخداع فيما يتعلق بالعملية السياسية في العراق. كما يتفقون ايضا على ان هذه الغالبية لا يجب ان تخضع مرة اخرى لسيطرة وهيمنة الاقلية.

فهذه المخاوف لا تزال تنتاب الشيعة بعد مرور تسعة شهور على سقوط نظام صدام حسين، الذي كان تجسيدا للسيطرة السنية على السلطة. فالرئيس جورج بوش واجه قوة هذه المخاوف يوم الثلاثاء في البيت الابيض، حيث من المحتمل ان يكون اللقاء القصير الذي جرى، قد ساعد كثيرا في تنوير بوش حول ما يجري في العراق على نحو افضل بكثير من جلسات التنوير الرسمية المطولة.

وقال عدد من الذين حضروا اللقاء، ان آية الله عبد العزيز الحكيم، طلب بصورة مفاجئة، التحدث لوحده مع الرئيس بوش، وذلك خلال لقاء الرئيس الاميركي مع وفد من مجلس الحكم العراقي الانتقالي، روعي فيه بصورة ملحوظة توازن التمثيل الديني. وقد شعر وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، ومسؤولون آخرون ببعض التوتر جراء طلب الحكيم، إلا ان مستشارة الأمن القومي، كوندوليزا رايس، تدخلت وخصصت خمس دقائق ومترجمة للحكيم في لقائه المنفرد ، اذ شعرت رايس، على ما يبدو، ان لدى الحكيم ما هو مهم ويود قوله.

وطبقا لمصدر اميركي مطلع، تلخص ما قاله الحكيم لبوش في مطالبة الولايات المتحدة بعدم التخلي عن شيعة العراق، الذين يشكلون 60 بالمائة من سكان البلاد الذين يقدر عددهم بحوالي 24 مليون نسمة، وتوفير الحماية لهم.

ويرى مسؤول اميركي آخر ان مخاوف شيعة العراق ازاء السنة تبدو غير منطقية، لكنه عزا ذلك الى وقوف الولايات المتحدة موقف المتفرج على احداث عام 1991 حين تعرض الشيعة الى مذبحة خلال تمردهم على نظام صدام عقب حرب الخليج الثانية.

يخشى الشيعة ايضا من ان يؤدي تمرد المثلث السني حول بغداد، والتفجيرات الانتحارية للارهابيين في اماكن اخرى من العراق، الى ان يحارب العديد من السنة حكم الغالبية تماما كما يحاربون الاحتلال الاميركي الآن. فقد غادر محسن عبد الحميد، رئيس تنظيم الاخوان المسلمين بالعراق، وفد مجلس الحكم في نيويورك ولم يتوجه الى واشنطن. اما الحكيم، رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، فقد انضم الى ابراهيم الجعفري وقادة آخرين للاحزاب الشيعية واحمد الجلبي، وهو شيعي يترأس المؤتمر الوطني العراقي، وهو تنظيم علماني، لتكوين لجنة غير رسمية للشيعة داخل مجلس الحكم الانتقالي. عقدت هذه اللجنة غير الرسمية جلستين مهمتين مع السيستاني في قاعدته بمدينة النجف، منذ إعلانه الاعتراض على مقترح الولايات المتحدة في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الخاص بالانتخابات غير المباشرة في العراق.

رفض السيستاني، الذي يعد من اكثر زعماء الشيعة احتراما، اللقاء المباشر مع بريمر. ويرى السيستاني والسياسيون الشيعة ان الانتخابات الديمقراطية، التي من المقرر ان تجرى تحت مظلة أمنية يوفرها الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، يجب ان تضمن الهيمنة السياسية للشيعة.

ويعتبر بيان الامم المتحدة الذي يحدد تاريخ الانتخابات المباشرة في وقت لاحق من العام الجاري، او مطلع العام المقبل، انه سيوفر للسيستاني غطاء سياسيا لقبول تأجيل محدود لحكم الغالبية. لذا لا ينبغي ان تنظر واشنطن الى اعتراضات السيستاني والمظاهرات الشيعية الاخيرة على انها نذير خطر قادم.

يقول مساعد للرئيس بوش علينا ان نتذكر احيانا، ان السياسة في العراق ليست سيئة بالقدر الذي يتصوره البعض. ويضيف: ان بوش طمأن الحكيم وأعضاء المجلس الآخرين، بأنه سيضغط على الجهات المعنية بغرض اجراء انتخابات ديمقراطية في العراق بأسرع وقت ممكن. لذا، فإن قيادة الولايات المتحدة في هذه الاجندة هي الخيار الافضل، بدلا من رفض قبول تغيير محتوم الحدوث.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»