إلى فؤاد الذي أضاع اللبن في صيف صدام..!

TT

كنت منتظرا من الصديق والزميل فؤاد مطر، ان يقول كلمته بعد ان تم اعتقال صدام حسين، نظرا لما لفؤاد من تجربة، يستطيع ان يقول الكثير من خلالها.

وقد حدثته عن ذلك، عندما كنا مدعوين في احد المهرجانات الثقافية، فأخبرني انه بصدد الشروع للكتابة في هذا الموضوع.. وبالفعل، ظهرت سلسلة من المقالات في جريدة «الشرق الأوسط».. وبكل أسف اقول: إن ما كنت اتوقعه من الكاتب الذي حمل الهم القومي لعقود من الزمن ان يعطي لنا درسا في يقظة ضمير الانسان المثقف، وينتصر لموضوعيته دون الاستئثار بذاتيته!! وقد جاءته الفرصة سانحة، وكان بمقدوره ان يسجل بادرة لم يسبقه اليها احد، ليتبوأ بعدها موقعا متميزا بين أقرانه، بعد ان ثبت له بما يقطع الشك باليقين عن جرائم صدام حسين اللاانسانية!!؟.. فكان بمقدوره ان يبيّن حقائق كيفية تعامله مع صدام لنعرف من خلالها كيف كان ديكتاتور العراق، يقيم علاقاته بالمثقفين والكُتّاب العرب، وغير العرب، ممن كان يُغدق عليهم بالملايين من الدولارات، من أجل تلميع صورته، وتجميل قبائحه واضفاء صفات الشرعية على جرائمه..!!

لو ان الزميل الصديق فؤاد مطر فعل ذلك، لاعطى من سيحاكمون الديكتاتور وثيقة ادانة أخرى تضاف الى جرائمه، حيث كان يشتري الذمم، ويبدد ثروات العراق!!

.. ولكن بكل أسف لم يحدث ما كنت اتوقعه، بل حدث العكس تماما.. ففؤاد مطر المثقف القومي يدعو الله ان يفرج عن كربة طارق عزيز، وبرزان التكريتي، مع انه كان يعلم علم اليقين كيف كان هؤلاء يسومون العراقيين سوء العذاب، وخاصة برزان يوم كان مسؤولا للمخابرات، وهو الذي شكّل مع اشقائه مافيا اجرام تترع من أموال اعرق حضارة عرفها التاريخ، فجعلوا منها كرة يتقاذفها نفر من مشردي قرية العوجة في تكريت.. هؤلاء واشباههم، يدعو فؤاد مطر الله ان يفرج عن كربتهم..!!؟

وواضح مما كتبه فؤاد انه لا يريد ان يُقال عنه انه عديم الوفاء لاصدقائه! أو انه لا يريد ان يكون سكينة ضمن السكاكين التي تكثر عندما يسقط الجمل!.. ولكن ظاهرة الوفاء للانموذج الصدامي تحت اي مسمى مهما كان، ولأي سبب من الاسباب، انما تضع صاحبها تحت طائلة الاتهام. فلو كان الزميل فؤاد مطر قد بادر، فذكر الحقائق كاملة بروح الباحث الصادق والمخلص لأمته، لاعطى في ذلك درسا لكل المتخاذلين من ذوي الضمائر الميتة، حتى ولو كانت تلك الحقائق مؤلمة، إلا انها كانت ستُكسب فؤاد نظرة احترام في كل مكان، لأن الموقف بالنسبة له سيكون بعكس ذلك تماما عندما تنكشف الحقائق، وتظهر الوثائق اسماء من كانوا يتعاونون مع صدام، وكم حصلوا من أموال العراقيين بدون وجه حق.. وربما سيتعرض البعض منهم للمساءلة القانونية..!! فلو ان الزميل الصديق فؤاد مطر وضع النقاط على الحروف، وشرح ظروف علاقاته بالديكتاتور المخلوع، وكيف تم الاتفاق لأن يقوم بتأليف كتاب عن حياته.

.. وارجو الا يُفهم ان المطلوب في حث الزميل فؤاد مطر على الكتابة في مثل هذه الموضوعات هو ادانته لنفسه!! انما يقصد منه تسليط الضوء على الأسلوب الذي كان يتبعه صدام لكي يخلق لنفسه تلك الهالة الزائفة، التي ساهمت في صنعها الاقلام المأجورة، والتي ادركها فؤاد مطر مبكرا، فاتخذ موقفه المشرّف، عندما تخندق في الاتجاه المضاد لسياسة صدام.. خصوصا بعد قيامه بجريمة غزو الكويت!!

ولكن بقي على فؤاد مطر ان يُكمل المشوار، لأنه يستطيع ان يذكر عن صدام من الحقائق التي لا يستطيع سواه ان يذكرها.. واننا على ثقة تامة، انها ستكون من اهم الوثائق التي تضاف الى ملف محاكمة اكبر مجرم عرفته البشرية!!

.. ويستطيع فؤاد ـ كذلك ـ ان يبرهن لكل العراقيين أو الى من يوجهون اليه اصابع الاتهام في شأن علاقته بصدام، بإعلانه البراءة من ذلك الكتاب الذي ألفه عن حياة ذلك الطاغية، فهناك الكثير من المبدعين والكُتّاب، قد قاموا بأعمال، ثم لما تبينت لهم حقائق أخرى كانت معاكسة لمقاصدهم، اعلنوا براءتهم من تلك الاعمال، وان لم يستطيعوا محوها من تاريخهم فالسيمفونية الخامسة ـ مثلا ـ كان بيتهوفن قد اهداها الى نابليون بونابرت.. لكنه سرعان ما سحبها، وغيّر عنوانها، بعد ان نصّب بونابرت نفسه امبراطورا. ولم يجد ألبرت اينشتين حرجا في توجيه رسالة اعتذار لأطفال فلسطين، لما فعله قومه من اليهود في مذبحة دير ياسين!! ولا يتسع المجال لضرب المزيد من الامثلة في هذا الموضوع.. ولكنني أجزم لو ان الصديق الزميل فؤاد مطر قد ذكر الحقائق من خلال تجربته، واعلن براءته من تأليف كتاب وضع فيه صدام في مصاف العظماء لكان ذلك ادعى لمكانته ككاتب صاحب موقف، بدلا من ان يكون ذلك الكتاب محسوبا عليه تلاحقه، كما لاحقت كتب أولئك الذين مجّدوا هتلر وموسوليني وستالين أبد الدهر. لندع الجواب في كل ما طرحت للزميل فؤاد مطر!!؟ لعله يقول كلمته التي لم يقلها بعد فالمجال ما زال متسعا أمامه.. أم تراني أصيح في واد آخر..!!.