الإسلام وضع التكافل الاجتماعي في مرتبة الفرائض

TT

إذا كانت الفلسفات الاجتماعية غير الإسلامية قد وضعت التكافل الاجتماعي في إطار «حقوق الإنسان».. فإن الإسلام قد وضعه في مرتبة «الفرائض والواجبات والتكاليف والضرورات»، التي يأثم الإنسان ـ فرداً أو جماعة ـ إذا هو تنازل عنه، حتى ولو كان هذا التنازل طواعية واختيارا.

بل لقد أوجب الإسلام الجهاد ـ والجهاد القتالي إذا لزم الأمر ـ لإقامة فريضة التكافل الاجتماعي في الاجتماع الإسلامي.. فإذا تصاعدت المخاطر على التكافل الاجتماعي في أمور المعاش، من الافتقار إلى «الحاجات»، فغدت افتقاراً إلى «الضرورات»، بالنسبة لفرد من الأمة ـ نعم، حتى الفرد الواحد! ـ انتفت شرعية أي حيازة أو ملكية أو اختصاص عن أي مالك أو حائز من الأمة جمعاء، في ما زاد على ضرورات هؤلاء المالكين والحائزين.. فإذا جاع مسلم فلا مال لأحد.. «وأيما أهل عرصة ـ (مجتمع صغير أو كبير) ـ أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله تعالى».. رواه الإمام أحمد.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى، قد جعل للفقراء في أموال الأغنياء «حقوقاً معلومة».. وبعبارة الإمام علي بن أبي طالب (23 ق.هـ ـ 40هـ 600 ـ 661م): «إن الله قد فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متّع به غني، وإن الله سائلهم عن ذلك».. فإن الإمام ابن حزم الأندلسي (384 ـ 456هـ ـ 994 ـ 1064م) يشرع للجهاد ـ والجهاد القتالي ـ سبيلا لتحقيق التكافل الاجتماعي، إذا قصرت الزكوات المفروضة عن الوفاء بمتطلباته، فيقول: «ففرضٌ على الأغنياء، من أهل كل بلد، أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا فيء أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة، ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعاماً فيه فضل ـ (أي زيادة) ـ عن صاحبه، لمسلم أو لذمّي.. وله أن يقاتل عن ذلك، فإن قُتل فعلى قاتله القوَد ـ (أي الدية) ـ وإن قُتل المانع فإلى لعنة الله، لأنه مانع حقا، وهو طائفة باغية، قال تعالى: (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) الحجرات: 90.. ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق، وبهذا قاتل أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، مانعي الزكاة».

فما لم يتحقق التكافل الاجتماعي سلماً، فإن القتال في سبيل تحقيقه فريضة إسلامية، وليس مجرد مباح من المباحات، ذلك أن تحقيق هذا التكافل الاجتماعي هو السبيل لصلاح دنيا الناس، وصلاح هذه الدنيا هو الأساس لصلاح الدين، فكأنما الظلم الاجتماعي، وغيبة التكافل بمثابة الفتنة في الدين، التي هي أشد من القتل.. وهي أحد أسباب الجهاد القتالي في شريعة الإسلام.. بل إن موالاة أهل الظلم الاجتماعي ومودتهم هي ـ إسلامياً ـ من المنكرات والمحظورات!.