المظاهر والظاهر والباطن!

TT

انشغل واختلف الكثير من المسلمين وخصوصا الموجودين في العالم العربي بشكليات وقشور سطحية من أمور دينهم صرفتهم عن أمور ومواضيع أعمق وأهم. وإحدى تلك المواضيع التي تنال من الاهتمام والتركيز والتفكير الشيء الكثير هو غطاء الرأس لرجل الدين، فكانت العامة بلونها الأبيض أو الأخضر، ثم أتى الطربوش المعمم والذي أخذ اشكاله المختلفة سواء كان بشكله الازهري التقليدي أو بشكله اللبناني وهو طربوش بعمامة كبرى من حوله، أو بشكله الدمشقي وهو طربوش بعمامة بسيطة حتى نصف الطربوش، ثم جاءت الغترة بلا عقال، أو الشماغ بلا عقال وفي الامارات يرتدون الغترة بعقال أبيض، اضافة لأتباع المذهب الجعفري الذين يرتدون عمامات بيضاء أو سوداء كلها جميعا أشكال ونماذج مختلفة أخذت الطابع الهام، وتقريبا أحيطت بهالة أشبه بالمقدس معتقدين أن الزي هو وسيلة تميز ما بين أهل العلم الديني وسائر البشر.

ولكن من أتى ببدعة الزي والمظاهر هذه؟ هل نبحث باستمرار عن مشاهد وأمور ومواضيع تفرقنا بدلا من أن تقربنا وتوحدنا؟ ومن هو صاحب فكرة أن وضع العقال على الغترة أو الشماغ غير ديني وأن مظهر الغترة أو الشماغ من دون العقال قمة التدين؟ اهتمامنا بالمظاهر والظاهر منها، يجعلنا نحكم على الاشخاص ونصنفهم في خانات لتقسيم المجتمع على طريقة معنا وضدنا. وهي وسيلة جديدة تجعلنا نركز على الأتفه من الأمور تاركين العلوم الأعمق والأهم لغيرنا. اضافة الى أن أموراً كهذه تزيد الاحقاد والبغض في القلوب ضد الغير وتجعلنا نوجد الأعداء والعداوات بلا سبب جوهري.

ليت الاهتمام كان بالبحث والتطوير، ليت الاهتمام كان لأجل مسيرة التوعية والتقريب والتسامح. هل نسينا أن الأهم هو ما يدخل الرأس من أفكار وعلوم وآراء وأقوال ومفاهيم من شأنها خدمة الدين والمجتمع بأسلوب فيه الكثير من المحبة واحسان الظن والعمل الصالح، بدلا من الاهتمام بما يوضع على الرأس من قماش وألوان متنوعة لا تقدم ولا تؤخر. الاهتمام المبالغ فيه والعجيب والمحير بأغطية الرؤوس أمر لا معنى له ولا تفسير له سوى أننا أمة اختلفت أولوياتها وجلبت المتاعب لنفسها. غطاء الرأس ما هو الا قماش «يوظف» و«يسيس» حسب الظروف والمصالح والمعطيات لأغراض ليست دوما سويه وموضوعية وحميدة. كل مظهر يفرق ويشتت لا مكان له بيننا، فأغطية الرؤوس لا تصنع من المسلم شخصية أفضل ولكن عمله وخلقه وقلبه وعقله وروحه، تصنع ذلك. وحتى يتبين لنا المعنى الحقيقي والدقيق لهذا، سنبقى نتخبط في أمور لا تثير سوى الحسرة في قلوبنا والسخرية منا لدى غيرنا. هناك مجالات واسعة وهائلة للتنافس بين ابناء ورجال الأمة الاسلامية لفائدة ابنائها وبناتها بدلا من التركيز على طول القماش ولونه فيوضع على الرؤوس بدلا من الاهتمام بتزكية تلك الرؤوس بعلوم تفيد وتنفع، وعليه فان الاهتمام لا يجب أن يكون بمن «تشمع» أو «تغتر» أو «تطربش» أو «تعمم»، بل بمن أفاد وتعلم ونفع.