الى متى يدق المهووسون بالغرب رؤوسنا..؟

TT

لأننا في الحقبة «الأوروأمريصهيونية»، فلا نستغرب الالتباسات والبلبلة والمجادلة بالباطل لدحض الحق.

ولقد دأب الكثير من رجالات وأنثويات هذه الحقبة على التأفف من تفاهة القضايا التي يشغل بها المسلمون بالهم، بينما ينشغل حضرة الغرب بالتقدم العلمي وجولات الفضاء الى زحل والمريخ والمشتري.. الخ.

ويتهكم هؤلاء الاساتذة والاستاذات على بعض قضايا المسلمين المتمثلة في مسألة تحليل الربا وتحريمه، وزي المرأة المسلمة وهل يجوز لها أن تحترم قانون شيراك أم شريعة الله سبحانه وتعالى الذي يقول في الآية الكريمة رقم 21 من سورة الشورى: «أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم، وإن الظالمين لهم عذاب أليم»، صدق الله العظيم.

وتأفف هؤلاء الناس طويل، والرد عليه كذلك مسهب ومليء بالزوايا، لكننا نختصر ونقول ببساطة انه من غير الصحيح ان كل ما يشغل الغرب هو الفضاء وهموم التقدم العلمي، فسيادته له مسائل مساوية لذلك في الاهتمام ـ مثل متابعة قضية مقتل ديانا ـ زوجة او مطلقة الأمير تشارلز ، ومثل فضائح مايكل جاكسون وطرحها على بساط البحث، وعدد الكيلوجرامات التي يجب أن تفقدها تلك النجمة او تلك الممثلة الشائخة.. الخ

ـ وغير صحيح أن ما يعطلنا نحن عن ارتياد الفضاء وتحقيق الانجازات العلمية الباهرة هو مناقشاتنا في الحلال والحرام بحيث أننا لو كففنا عن هذا الكلام سينطلق بنا الصاروخ فوراً الى عين الشمس.

منذ مطلع القرن الماضي، والعلمانيون، المهووسون بالغرب، يدقون رؤوسنا ويهدمون شخصيتنا الاسلامية الصحيحة، لنصبح، بدعاوى التغريب، مسخاً مشوهاً متخلفاً فاقداً خط الرجعة الى الصحة التي تولد الإبداع والنهضة والتقدم، فلم تكن دعاوى التغريب هذه تتضمن البتة برنامجاً ينهضنا على شاكلة النهضة العلمية الحقة المفيدة التي حققها الغرب وحققتها اليابان والصين وحتى كوريا.

ولم يكن هذا الاغفال سهواً، بل كان خطة يعرف العلمانيون جيداً انها كانت مرسومة بدقة، فلم يكن مسموحاً لمصر ولا لأي بلد عربي واسلامي ان يرتفع عن مستوى مسح أحذية سيدة «الغرب».

وها هي تركيا ـ التي يحسبونها علينا دولة إسلامية ونموذجاً يجب أن يحتذى ـ ها هي قد أكلت الربا، وحرمت الزي الشرعي الاسلامي حتى طرد نائبة برلمان انتخبها الشعب، وكتبت بالخط اللاتيني وتبرأت سياسة حكامها ـ على مدار قرن كامل - من الإسلام برمته، فهل استطاعت بعد كل هذه التنازلات ان تكون نداً للغرب؟ وهل وصلت الى قمر او نجم أو كوكب؟

بالطبع لا ـ ليس اكثر من قاعدة منطات لتسهيل التخريب لدول الاحتلال المهيمنة على الأرض ـ لماذا؟ لأن الغرب لم يسمح لها إلا بأن تكون قرداً ممسوخاً بعد ان كانت دولة خلافة يرتعبون من مقامها ويجثون ركوعاً عند اقدامها. هل يتصور الرجالات والانثويات من العلمانيين حقاً ان اباحة الربا واغماض العيون عن تعرية شعور وابدان المسلمات، بالقهر، سوف يجلي عنا غمة التخلف العلمي، ويكون بامكاننا الامساك بالخيط السحري للصعود الى القمر، ام سيواصل الغرب، بعد سلسلة اغتيال علمائنا الذين نبغوا في ابحاث الذرة، مداهماته لحرماتنا تفتيشاً عما يزعمه من «توصلنا» الى انتاج اسلحة «الدمار الشامل»؟

انتصر قانون شيراك لقهر المسلمات بدعم من علمانيينا، والضعفاء الخائفين من علماء الحكومات، وهذا القانون يضاف الى سلسلة الاضطهاد الطويل للأقليات المسلمة في أوروبا، وأتذكر في هذا السياق الاقليات الدينية والعرقية التي عاصرتها في طفولتي، في حي محرم بك بالاسكندرية، والعباسية بالقاهرة، تلك الاقليات التي عاشت في مصر ـ وسائر بلاد المسلمين ـ معززة مكرّمة حتى انه كان لها قانون خاص يرفعها على أهل البلد أنفسهم، وكيف كان أهلنا يعلموننا أن نحب أفراد هذه الأقليات ونكرمهم ـ رغم ما كان يبدو من بعضهم من الغلاسة والبرود والتكبر ـ وراجعت تاريخ الأمة الإسلامية ووجدت ان الاقليات الدينية ـ من يهود وأرمن وطليان ويونان.. الخ ـ عاشت بين ظهرانينا في بلاد الاسلام، ولم يمس لهم أحد معبداً او صومعة او كنيسة، بل ازداد بنيانهم وتعدادهم وتمت حمايتهم من تعصباتهم تجاه بعضهم البعض، ولم يتدخل أحد في اسماء اطلقوها على أولادهم ـ رغم أن يهود الظاهر والعباسية في القاهرة لم يترددوا في ان تكون اسماء أولادهم عام 1948 هي «فيكتور» و«فيكتوريا»، أي «منتصر» و«منتصرة» تحدياً لمشاعرنا.

ولم نبادرهم بالاجبار على تغيير اسمائهم كما فعلت بلغاريا حين اجبرت مسلميها على تغيير اسمائهم الاسلامية بأخرى غير اسلامية بحجة ان أمينة وفاطمة ومحمد وأحمد اسماء اجنبية غير بلغارية ـ لم نمس طقوساً رسموها لأمواتهم او طريقة سلكوها لذبح أو قتل طيورهم وأنعامهم (كانت جارتنا ماريكا اليونانية بالاسكندرية تقتل دجاجتها قبل طبخها بالماء المغلي).

لم تختبر أوروبا والغرب ان يكون بها اقليات مسلمة، لكن الزمان دار دورته الكبيرة وتولدت ظروف انتجت اقليات اسلامية تعيش في مجتمعات الاغلبية المسيحية المتخلية عن مسيحيتها بالعلمانية.

ولم يكن الامر مفزعاً في أول الامر حين كانت تلك الأقليات المسلمة خانعة ذائبة في محاكاة السيد الغربي: تتعرى مع عريه، وتسكر مع خمره، وتأكل طعامه، سواء أكان لحماً لمخنوق او لنطيحة او خنزير.

اما وقد بدأت هذه الاقليات المسلمة في قراءة قرآنها ودراسة سنّة نبيها والانحناء طاعة لربها تلبية لايمانها، فهذا ما لم تتمكن العقلية الصليبية المتكبرة المتعصبة الملتحفة بأثواب العلمانية من قبوله (راجع كلام شرودر عن تعريف علمانيته المتشكلة من اسس ثلاثة: الحضارة اليونانية الرومانية، الديانة اليهودية المسيحية، عصر التنوير).

وهكذا كان لا بد ان تبدأ المسيرة المتعصبة بقيادة إعلامها الغربي لتمارس الارهاب الحق وفتنة الذين آمنوا ، فاضحة نفسها بامتشاق السلاح الذي اتهموا به المسلمين ـ زوراً وبهتاناً ـ ألا وهو: «الإرهاب وقمع الآخر».