عمل جبان

TT

ليس هناك عمل اكثر جبنا وخسة من الذي فعله الانتحاريان اللذان تسللا بين المتجمعين للتهنئة بعيد الاضحى في اربيل بالعراق بمقري الحزبين الرئيسيين هناك ليفجرا نفسيهما وسط الجموع وليقتلا عشرات المحتفلين، من دون مراعاة لأية حرمة او انسانية، او للمناسبة الدينية المقدسة بالنسبة الى المسلمين.

وايا يكن الفكر الذي يحمله هذان الانتحاريان، او الرسالة السياسية التي يريد الذين ارسلوهما توصيلها فإنها في النهاية رسالة تريد نشر الذعر والفوضى وتعكس رغبة في القتل الاعمى من دون أي وازع او ضمير، او احترام للحياة الانسانية. كما ان الاسلوب يعكس درجة عالية من التحلل من الاخلاق.

والحقيقة ان امر العنف والتفجيرات التي يشهدها العراق ويعتبرها البعض نوعا من مقاومة الاحتلال تثير الحيرة، فالضحايا في اغلب الاحيان عراقيون، والاهداف التي يستهدفها هؤلاء الانتحاريون او المفجرون في معظم الحالات هي لفائدة عودة الاستقرار الى العراق مثل استهداف الشرطة التي من المفترض انها الاداة التي ستعمل على فرض الأمن واعادة النظام من اجل سرعة انهاء وجود القوات الاجنبية، وفي النهاية فإن عناصر الشرطة هم من ابناء الشعب العراقي.

والملاحظ ان هناك نسقا او وتيرة معينة لهذه الاعمال يجمعها قاسم مشترك هو الخبث والرغبة في اشاعة الفوضى في العراقيين فالتفجيرات الانتحارية التي استهدفت مقر الامم المتحدة والصليب الاحمر واعقبها خروج موظفي المؤسسة الدولية، كانت ضد مصلحة الشعب العراقي الذي يحتاج الى جهود هذه المنظمات ومشاركتها في عملية اعادة ترتيب العملية السياسية، واستعادة السيادة. اما التفجيرات التي استهدفت باقر الحكيم بعد صلاة الجمعة في النجف ثم الآن قيادات الاكراد في معقلهم فهي تستهدف بث الفرقة والشكوك بين فئات الشعب العراقي.

ومخططو هذه التفجيرات وموجهو الانتحاريين من القنابل البشرية يعرفون كل هذا، وهدفهم كما يبدو هو منع حدوث اي تقدم في العملية السياسية او عودة الحياة الى طبيعتها لسبب بسيط هو انه لا يوجد امامهم اي امل الا في ظل الفوضى، والدمار، فهم يريدون ان يأخذوا العراقيين رهينة ليسهل عليهم نشر افكار مماثلة لافكار طالبان لا تزدهر الا بالتخلف والفقر وتجهيل الناس.

والرد العقلاني من جانب القوى السياسية العراقية على هذا الارهاب يجب ان يكون بالارتفاع فوق مستوى الحدث وعدم الانسياق وراء المطالبات الفئوية، واستشراف المستقبل بالعمل بشكل متكاتف على استكمال العملية السياسية، وتحقيق انتقال سلس للسلطة والتركيز على وحدة العراقيين ومصلحتهم في اعادة الاستقرار واقامة المؤسسات.

أما اقليميا فإن المطلوب هو مساعدة العراقيين على تجاوز الازمة الحالية بأسرع وقت ممكن وعدم الانسياق وراء المزايدات التي تحكمها حسابات مصالح ضيقة، لأن المصلحة الاستراتيجية للدول العربية تكمن في استقرار العراق ووحدته، وستكون كارثة على المنطقة ان يتحول الى مرتع للارهابيين والانتحاريين، لان اجندة هؤلاء لا تقتصر على العراق فقط.