مطالبنا من أمريكا؟

TT

كانت التساؤلات التي تدور في اذهان المشاركين في مؤتمر الدوحة للحوار الاسلامي الامريكي ـ يناير 2004 ـ وقد وصل المؤتمر الى جلسته الختامية، هي: ما المطلوب من الطرفين، امريكا والعالم الاسلامي تجاه اقامة علاقات اكثر نضجا وعقلانية بما يخدم المصالح المشتركة ويهمش الاختلافات ويقي من مخاطر الارهاب والعدوان. وكان هذا التساؤل مبنيا على خلفية تساؤل آخر: هل اصبح العالم افضل بعد مرور عامين على كارثة سبتمبر واهم تداعياتها متمثلة في تغيير السياسة الامريكية نحو مقارعة الارهاب في عقر داره من ناحية واستخدام القوة المسلحة في ازالة الانظمة الدكتاتورية المتصلة بالعمل الارهابي من ناحية اخرى؟

بطبيعة الحال هناك من رأى ان الاوضاع اصبحت اكثر سوءا وان امريكا اتخذت من محاربة الارهاب/ ونشر الديمقراطية ذريعتين للهيمنة وتكوين الامبراطورية والتمدد في العالم من غير حسيب ولا رقيب لا من القانون الدولي ولا المبادئ الاخلاقية، ومشكلة هذا الطرح انه يرى نصف الصورة او النصف الفارغ من الكأس، وهو معذور اذ ركّز على مثالب امريكا وحدها بسبب التشويه الاعلامي السائد لصورة امريكا في ديارنا، ولكن ماذا عن الجانب الآخر من الصورة؟

عندما طُلب مني الاجابة قلت: اذا كانت لامريكا سلبياتها فإن ايجابياتها اكثر ودعوني اشرح ذلك. لقد حققت امريكا اشياء ايجابية كثيرة وغيرت العالم الى الافضل!! يكفي انها خلصت العالم من انظمة دكتاتورية عديدة، هناك حوالي (16) عملية عسكرية على مدى قرن، ومنذ سقوط جدار برلين حتى الآن اطاحت امريكا بـ (6) انظمة مستبدة اي بمعدل نظام كل (3) سنوات، منها (نورييغا في بنما 89)، (ميلوسيفتش 89)، (نيكاراغوا 90)، (هايتي 94)، (الملا عمر 2001)، (صدام 2003) وقبل ذلك المانيا واليابان وكوريا الجنوبية.

وهناك من يجادل في ان امريكا لم تستطع احلال الديمقراطية محل تلك الانظمة التي اسقطتها ولكن مع ذلك فقد نجحت في بعضها وابرز مثالين هما (المانيا) و(اليابان)، ولكن السؤال الذي يستتبع ذلك: كثرة تدخلات امريكا في العالم عسكريا هل تفسر بأنها قوة استعمارية او امبريالية؟ يجيب على هذا التساؤل (بيرل) بقوله (قيل لنا خلال التسعينات: ان الحرب ذريعة لتأسيس امبراطورية امريكية في البلقان، لكن اسأل الصرب والالبان واهل كوسوفو والكروات عن رأيهم في هذا الزعم؟ لن تجد اننا تدخلنا في اي مكان في العالم واقمنا امبراطورية استعمارية) ـ الشرق الأوسط 2003/2/2 مقال أمير طاهري.

دعونا نتصور العالم لو استمعت امريكا للمنطق الفرنسي الالماني: اعطوا سفاح الصرب والعرب، الفرصة للحل الدبلوماسي، فهل كانت البوسنة والكويت والعراق محررة؟ يقول (بيرل) ـ في نفس المقالة مع أمير طاهري ـ (في عام 1993 قال لي علي عزت بيغوفيتش رئيس البوسنة ـ الامريكيون وحدهم يستطيعون انقاذنا من الفناء، اذا لم يأتوا فلن يبق مسلم على قيد الحياة في يوغوسلافيا، اما الاوروبيون فإنهم سيتناقشون حتى يتم القضاء علينا).

دعونا نتصور حال العرب ـ العراق خاصة ـ لو استمعت امريكا للنصح الاوروبي القائل: الديمقراطية لا تناسب العرب/وثقافتهم تأباها/ودعوا المتخلفين يأكل بعضهم بعضا.. اتركوهم لحالهم ودعوا شوكهم في ظهرهم ـ انظر الآن عدد الدول المتجهة للديمقراطية، حتى افغانستان اصبح لها دستور، وهناك العراق والدستور الجديد ونقل السلطة، (ليبيا) تبدلت والبقية تأتي..

والآن ما الدروس المستفادة:

أولا: ان الطغاة لن يرحلوا الا اذا سقطت القنابل، والشعوب ـ وحدها ـ غير قادرة على مواجهة الانظمة الدكتاتورية الا بعون خارجي قوي والذين يقولون (بيدنا لا بيد عمرو) واهمون لأن انتظارنا سيطول ـ بل بيدنا وبمساعدة عمرو ولكن لمصلحتنا اولا ـ.

ثانيا: ان على امريكا بذل المزيد من التشجيع للتوجه الديمقراطي ومكافأة الدول التي تحقق نجاحات في الاصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالدعم والمساندة والاستثمارات واتفاقيات التجارة الحرة ـ ولا ادري سر انزعاج بعض النواب في البرلمان المصري من مضاعفة امريكا للموازنة المرصودة لنشر الديمقراطية الى (84) مليون دولار، اليس الاجدر بحماة الديمقراطية الترحيب بذلك؟ اذا كانت امريكا قد خلصتنا من الطغاة واصبح العالم افضل فإنها خلصتنا من الارهابيين ـ ايضا ـ وهذا هو الجزء الثاني من المهمة.

الظاهرة الإرهابية: لقد عانينا من الارهاب ولن نستطيع التخلص منه ولو لم يضرب الارهاب عقر دار امريكا، لما كان بوسعنا محاربته. وصحيح ان امريكا نقلت المنازلة الى ساحة الارهابيين بدلا من انتظارهم حسب (نظرية رامسفيلد)، ولكن القوة وحدها غير كافية، فالارهاب بنية فكرية وثقافية لا بد من تفكيكها لأن الوقاية خير من العلاج ولذلك على امريكا تشجيع الدول على مراجعة منظومتها التعليمية كاملة ـ لا المناهج وحدها ـ وتقديم المساندة المادية والفنية لتطوير المنظومة التعليمية.

نأتي بعد ذلك الى المطلب الثالث من امريكا وهو (القضية الفلسطينية وتحسين الصورة الامريكية) اذ يركز الاعلام على المثالب الامريكية ولا يذكر الوجه الايجابي لامريكا، فإنه يساهم في تقبيح الصورة وزيادة الكراهية، ولكن الاعلام لا يعمل في فراغ اذ يتخذ من الانحياز الامريكي لاسرائيل مادة خصبة لتشويه الصورة في الذهنية الجمعية للعرب والمسلمين وبخاصة ممارسات اسرائيل الظالمة للابرياء من النساء والاطفال، ومع ان الامريكان يضيقون بتهمة الانحياز ـ انظر: ارميتاج: كثيرا ما نسمع هذه الاتهامات ولا نحب ان نسمعها لأننا تاريخيا من قدم اكبر دعم الى الفلسطينيين وليست اية دولة عربية، الحياة 2003/9/22 ـ الا ان الانطباع السائد ـ كذلك ـ ان امريكا ـ وحدها ـ القادرة على تحريك عملية السلام والقيام بضغط على اسرائيل لقبول مبادرة سوريا للتفاوض، وكما قال سمو امير دولة قطر في ندوة الدوحة للحوار الاسلامي ـ الامريكي لعام 2002 (ندعو امريكا الى التعامل مع قضايانا بقدر اكبر من التوازن والعدالة والانصاف) وهو الذي يُجمل صورة امريكا لدى العالمين العربي والاسلامي. هذه مطالبنا فماذا عن مطالب امريكا منا.. ندع ذلك الى مقالة اخرى.

* كاتب قطري