كذبة إيران الكبرى.. اختلافات لا تعبر عما يدور..!

TT

هل يمكن أن يكون الإسلام ديمقراطيا؟

هذا هو السؤال الذي ظل يتجنبه طوال ربع قرن من الزمن الخمينيون بشقيهم المدني والديني. فهم يطلقون على نظامهم «الجمهورية الاسلامية»، وهما لفظان متناقضان من ناحية المعنى، كما اقاموا بعض المؤسسات التي لا تعدو ان تكون ديكورا ديمقراطيا، بما في ذلك برلمان منتخب ورئيس منتخب ايضا فضلا عن دستور معظمه مقتبس من الجمهورية الفرنسية الخامسة.

ظل الخمينيون على مدى زهاء 25 عاما يتصارعون مع تناقص اساسي لنظامهم يتمثل في المحاولة اليائسة لتشغيل وإدارة «دولة دينية ديمقراطية»، اذ ان الازمة الحالية في ايران حول من يحق له الترشيح في الانتخابات العامة المقبلة سلطت الاضواء على هذا التناقض.

ولكن، ما الذي أثار هذه الازمة؟

باختصار، بدأ النزاع عندما رفض مجلس حماية الدستور ترشيح حوالي 3000 شخص، بمن في ذلك نواب في المجلس (البرلمان) الحالي على اساس ان هؤلاء ليسوا «اسلاميين» بالقدر المطلوب. وكان بعض السياسيين الذين رفض مجلس حماية الدستور ترشيحهم قد بدأوا اعتصاما داخل مباني المجلس، مما أثار مشادات كلامية بينهم والمجلس المذكور. وفي خطوة لاحقة تقدم 116 من نواب البرلمان الحالي يوم الاحد الماضي باستقالاتهم احتجاجا على قرار المجلس.

وسائل الإعلام الغربية وصفت من جانبها المحتجين بـ«الاصلاحيين»، فيما وصفت اعضاء مجلس حماية الدستور بـ«المحافظين»، بيد ان هذه الاوصاف تغفل حقائق اساسية.

فمن يطلق عليهم «الاصلاحيون» لم يقترحوا إصلاح أي شيء اصلا. فهم لم يطالبوا بإلغاء مجلس حماية الدستور، كما لم يقترحوا تجريد هذا المجلس من سلطاته الدستورية التي تخول له تدقيق الفحص على المتقدمين للترشيح ورفض ترشيح البعض اذا رأى اعضاؤه ذلك. فكل ما يريده «الاصلاحيون» هو ألا تتعارض قرارات هذا المجلس مع مصالحهم.

لذا فإن ما يطلق عليه «معسكر الاصلاحيين» هو الذي يريد ان يتعرض هذا الدستور للانتهاك. وفيما يتعلق بالنزاع بين البرلمان ومجلس حماية الدستور، فإن الدستور الحالي يتضمن آليات كافية لحل النزاعات، لذا ليس هناك حاجة للاعتصامات والتهديد بالاستقالات الجماعية، إذ بوسع الاطراف المتنازعة رفع الامر الى «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، الذي سيستمع بدوره للطرفين ويصدر حكمه في المسألة الخلافية. اما اذا استمر النزاع الى ما بعد ذلك، فسيكون بوسع الطرفين رفع الامر الى «المرشد الاعلى»، الذي يعتبر صاحب القرار النهائي في كل القضايا الديني منها والدنيوي.

وبصرف النظر عن القائمة النهائية للمرشحين، التي من المقرر نشرها في 7 فبراير (شباط) المقبل، من المؤكد انه لن يسمح لأي «دخيل» بالترشيح للانتخابات العامة، اذ ظل الامر كذلك خلال كل الانتخابات التي انعقدت تحت ظل النظام الخميني منذ عام 1979. وبذلك يصبح الخيار بين نوعين من الخمينية، احدهما «مخفف» والآخر متشدد.

غالبية الايرانيين ليست في حاجة الى ما يجري باعتباره نزاعا عائليا وفي افضل الاحوال بين فصيلين تجميع بين اعضاء كل منهما روابط الدم والزواج والاعمال التجارية. وتشير نتائج استطلاع اجرته وزارة الداخلية في طهران الاسبوع الماضي الى ان 85 بالمائة من الناخبين يعتزمون مقاطعة الانتخابات المرتقبة حتى اذا بات كل المرشحين تابعين لفصيل من يطلق عليهم «الاصلاحيون»، وهو الفصيل الذي يتبع في الاساس للخمينية.

المواجهة الحالية داخل معسكر الخمينيين قوبلت بفتور واسع داخل ايران، لكنها اجبرت قادة النظام الايراني على طرح السؤال الذي كان مصنفا ضمن الأمور الممنوع النقاش حولها وهو: هل يعتبر الاسلام متماشيا مع الديمقراطية طبقا لما هو مفهوم عادة في العالم؟

فالرئيس محمد خاتمي، الذي كثيرا ما يقدم في وسائل الإعلام الغربية على اعتبار انه زعيم المعسكر «الاصلاحي»، طرح هذا السؤال بشجاعة يوم السبت الماضي.

قال خاتمي، الذي ظهر خلال زيارة الى قبة الخميني، ان «نظام الجمهورية الاسلامية قائم على اساس مبدأي الإسلامية والجمهورية»، وأضاف ان كل من لا يقبل الاسلامية يعتبر خارج هذا النظام، كما يعتبر خارجه ايضا من يرفض الجانب الجمهوري في جمهورية ايران الاسلامية. كان خاتمي حذرا في استخدامه لمصطلح «الاسلامية» بدلا عن «الاسلام» وابتسر الدين بذلك الى ايدولوجية سياسية.

من هنا لا يعدو ان يكون ما قاله خاتمي خدعة لفظية، لأنه يدرك تماما ان الاسلام لا يتوافق مع الديمقراطية. فالتصريح بذلك لا يعتبر بأية حال تقليلا من شأن الاسلام، بل العكس اذ يعتبر الكثير من المسلمين الصادقين أن أي اشارة الى قصور الاسلام من الناحية السياسية اساءة الى عقيدته. وربما يشعر نفس المسلم المتمسك بمبادئ دينية بعدم الارتياح ازاء اشارة خاتمي الى ان الاسلام ايدولوجية سياسية لا تستطيع ان توجد بمعزل عن الجمهورية، التي تعتبر في الاصل نظام حكم غربيا.

السلطة في الاسلام تعود الى الله سبحانه وتعالى ويمارسها فقط خلفاؤه وفقا للالتزام الصارم بمبادئ الدين. بمعنى آخر، فإن الحاكمية لله وليس للناس.

النظام الخميني يقوم على زعم مؤداه ان كل سلطات الله تتركز في يد ما يطلق عليه «الفقيه الولي»، الذي يملك الحق في إصدار تعليمات بتعليق حتى الشعائر الدينية. اما في الجمهورية، فإن السلطات تتركز في يد الاشخاص على اساس مبدأ السيادة الوطنية. كما ان الجمهورية لا تفرق بين مواطنيها على اساس المعتقد الديني أياً كان. وفي الجمهورية لا توجد قوانين مقدسة وثابتة، ذلك ان الهيئة التشريعية المنتخبة تملك حق تغيير أي قوانين تعتبرها متماشية مع الدستور الوضعي.

بمعنى آخر، يمكن ان تكون هناك دولة اسلامية كما يمكن ان تكون هناك جمهورية، ولكن ما لا يمكن هو الجمع بين الاثنين. فالتجربة الايرانية خلال الـ25 عاما السابقة اثبتت خسارة الاسلام والجمهورية من جراء محاولات استغلالهما في كواجهة للتغطية على نظام استبدادي قائم على اساس العنف والارهاب والفساد.

ما يمكن قوله هنا هو ان الاصلاحيين الحقيقيين في ايران لا يوجدون داخل المؤسسة الخمينية، وإنما في اوساط مختلف فصائل المجتمع الايراني. إلا ان هؤلاء ينقسمون بدورهم الى معسكرين ايضا. المعسكر الاول يضم المسلمين التقليديين الذي يريدون ان يتخلى النظام الحاكم عن التظاهر بالديمقراطية وإقامة دولة اسلامية بالكامل ليس فيها اجهزة تشريعية علمانية. بوسع مثل هذا النظام إجراء انتخابات دورية ولكن فقط بغرض التأكيد على ولاء الافراد للنظام.

اما المعسكر الثاني، فيضم الغالبية الساحقة للناشطين السياسيين الذي يرغبون في إقامة نظام ديمقراطي تعود السلطة فيه الى الشعب وتمارس نيابة عنه بواسطة ممثلين منتخبين. لا شك ان الاسلام سيظل ضمن هذا النظام دينا لغالبية الايرانيين وإطارا للحياة الثقافية لهم فضلا عن كونه عنصرا حيويا في هويتهم.

هذان المعسكران غير ممثلين داخل المؤسسة الخمينية، اذ يستحق كلاهما الاحترام لقاء اخلاصهما ازاء المبادئ التي يحملها افراد كل منهما. فالمسلم التقليدي يعتقد ان بالاسلام اجابات على كل التساؤلات التي قد تطرح. الديمقراطيون من جانبهم يعتقدون ان الوظيفة الاساسية للاسلام هي تعليم الافراد كيفية طرح الاسئلة وماهية الاسئلة نفسها.

هذا هو الجدل الحقيقي الدائر في ايران حاليا وليس المعركة المزعومة داخل وحول برلمان تتوزع عضويته على اعضاء نفس القبيلة السياسية/الايدولوجية. الخمينيون، سواء كانوا من المتشددين او وسط من يطلق عليهم «الاصلاحيون»، لا يستحقون احتراما يذكر لأن مواقفهم قائمة على اساس كذبة تسمى «الجمهورية الاسلامية»، وهي في نظام استبدادي، لا هو اسلامي ولا جمهوري.