لا ضرورة لأن نبدأ إعادة الإعمار من الصفر

TT

قبل ان تبدأ الحرب في العراق، شاركت في مؤتمر حول أمن الشرق الأوسط، جلست خلاله الى جانب أحد المنفيين العراقيين ـ وهو أستاذ جامعي. كانت نصيحته الاكثر اهمية لاعادة اعمار ما بعد الحرب، الابقاء على الجيش النظامي. وقال ان الجيش العراقي يمكن ان يكون حيويا لمعالجة الفوضى التي اتفقنا على انها ستظهر في اعقاب غزو ناجح.

أكدت له ان الولايات المتحدة تعتزم ابقاء الجيش العراقي سليما. وباعتباري قائدا سابقا للقيادة المركزية، كنت قد ورثت خطة عملية سايكولوجية مديدة، معدة لاقناع الجيش النظامي العراقي بالتعاون مع الولايات المتحدة بدلا من القتال عندما يحين الوقت.

على أية حال، قامت الولايات المتحدة بحل الجيش في نهاية الامر. والآن تلازم كلمات الأستاذ المتبصرة الاحتلال المتواصل. وقد جرت العملية كما كان مخططا لها. ففي التسعينات بعد حرب الخليج، كانت حملات القصف جارية في العراق، ألقينا منشورات، ووجهنا رسائل الى وحدات الجيش العراقي لابلاغهم بأنهم ليسوا اعداء، وانه ستجري حمايتهم وعدم مسهم بضرر طالما لم يقاتلوا قواتنا. وخلال تلك السنوات، وفي مقابلات لي مع وسائل الاعلام الاقليمية، بما في ذلك قناة الجزيرة الفضائية، وصفت، مرارا وتكرارا، مجندي الجيش النظامي باعتبارهم ضحايا طموحات صدام حسين الشريرة.

والحقيقة انه بعد عملية ثعلب الصحراء عام 1998، اتخذ النظام العراقي رد فعل غاضباً تجاه ما سماها جهودا لدعم محاولة انقلابية بين الوحدات النظامية، وكان ذلك نتاج اتصالاتنا الموجهة نحو الجيش.

وفي عام 1999، اعدت خطة سميت عبور الصحراء، لمعالجة المشاكل التي يمكن مواجهتها في عهد ما بعد صدام، في اعقاب عمل عسكري او انهيار داخلي. وكان الهدف المركزي للخطة تحقيق الأمن سريعا لملء فراغ السلطة ومنع حدوث تمرد أو بروز مجرمين وارهابيين اجانب. ومن اجل تلبية هذه الحاجة، اضفنا قوات برية أميركية الى خطتنا العسكرية، ووحدات عسكرية عراقية غير مقاومة الى خطة اعادة الاعمار.

وكنت دائما على قناعة بأن الاحتفاظ بالجيش سيكون اساسيا لاعادة الإعمار. فقد شاركت في عمليات إعادة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي واعادة بناء المؤسسات الأمنية في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. وكنت اعرف انه اذا استطعنا اعادة هيكلة الكيانات الموجودة، بدلا من البدء من الصفر، فاننا سنكون في وضع أفضل. وكان الجيش العراقي النظامي، لا الحرس الجمهوري الموالي لصدام حسين، قد قدم هذه الفرصة.

لذلك فقد دُهشت حينما تم حل الجيش العراقي بعد الغزو. اذ كان هذا القرار مع قرار «اجتثاث البعث» من مؤسسات الدولة قد اثبت خطأه.

لم يفت الوقت بعد لدعوة الجيش العراقي للخدمة، بعد التخلص من أنصار صدام حسين ومجرمي الحرب فيه. وهذه الوحدات يمكنها ان تكون الاساس للقوة الجديدة التي ستجلب أناسا عاطلين، تقوم بتدريبهم والاستفادة منهم في مجهود منتج بدلا من تركهم تحت وطأة الغضب يتسكعون في الشوارع.

اضافة الى ذلك، يجب إعادة النظر في سياسة «اجتثاث البعث»، للتوثق من عدم اقصاء أناس كفوئين عن المشاركة في اعادة اعمار البلد. يمكن ارجاء الاختبار والمصالحة الوطنية الجادة بالتعاون مع مجلس الحكم العراقي، الذي يؤيد بعض أعضائه هذه الخيارات. فاعادة الدوائر الحكومية والوزارات الى السيطرة العراقية، سيعطي الفئات العلمانية العراقية موقعا قياديا، وهذه تتطابق مصالحها مع مصالحنا، وهذا سيسمح باعادة الخدمات الاجتماعية الى الدوائر الحكومية التي يديرها حاليا رجال الدين.

سيتمكن العراق من الشفاء فقط إذا التزم العراقيون انفسهم بمسؤوليات لاعادة بناء الاعمار. خيارنا واضح: اما ان نبدأ من الصفر ـ وهذا خيار طويل الأمد وصعب وسيستمر في رفع عدد الناس الذين ينفرون منا، وهذا سيرفع بدوره من حجم الخسائر على مستوى الاموال والارواح ـ او نتابع سياسة نحن متلهفون لتنفيذها، وهذه تتمثل في انقاذ ما يمكن انقاذه من مؤسسات قابلة للانقاذ، وقادرة على المساهمة في خلق عراق ديمقراطي جديد بدلا من العمل ضده.

* الرئيس سابق في القيادة المركزية للجيش الأميركي ومبعوث الرئيس بوش الى الشرق الأوسط

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»