أم الكوبونات

TT

أثير غبار كثير حول "كوبونات" الرئيس العراقي السابق. ولنا رأي: اذا كانت صحيحة فان اهلها قسمان: واحد، ذلك هو عمله وتلك هي مهنته. اي التجارة في حقل النفط او في حقل الغذاء. وهذا النوع يجب نزعه فوراً عن اللائحة. اما النوع الثاني فهو السياسيون او الصحافيون، او القوميون العرب. وهذه ايضاً لائحة لا تعنيني بأي شكل من الاشكال. فأنا اعرف ما يعرفه سواي من الصحافيين او من الحزبيين او من خصوم النظام السابق او من حلفائه، ان الذين لم ترد اسماؤهم على "الكوبونات" يشكلون الفظاعة الحقيقية بالنسبة الى نظام لم يعترف الا بلغة واحدة، هي لغة الشراء الكلي او العداء الكلي.

ولم يرد في همومه، في اي لحظة، ولا قبل في اي دقيقة، ان يكون له حلفاء اواصدقاء. كان يريد فقط اناساً، يكرهون من يكره، ويعادون من يعادي، ويعتبرون ان شاعر الحرب هو الاستاذ سامي مهدي. وللمناسبة فقد كان المفوض الثقافي الاستاذ مهدي يكتب، في اوقات الفراغ، بعضاً من اجمل الشعر واعمق النثر. وكان من الصعب على احد ان يصدق ان سعادة المفوض هو هذا الشاعر. المحزون ايضاً.

وهذه كلها امور عابرة في مسألة تحولت من اعتى نظام معاصر الى هذا البديل المضحك فوق اشلاء العراق. ان كل ما يعنيني من مسألة الكوبونات والنفط مقابل الغذاء ، هو مواويل الانتخاب التي كان يقرأها الرئيس السابق، بين كل اطلاق بندقية واخرى، عن ضحايا الحصار من الاطفال والعجزة.

وكان يعرض على العالم، بكل اهانة للعراق، صور الاطفال يموتون جوعا ومرضاً. وما لم يكن يعرضه بنفسه مع الشرح، كانت تنقله وكالات الانباء من صورعن الذين يبيعون اثاثهم في الشوارع، او عن طياري الخطوط العراقية الذين تحولوا الى بائعي ساعات عتيقه، او عن مليون قصة من قصص الفقر والعوز التي حولت العراق من بلد غني الى بلد يحتفل بذكرى ولادة " الرئيس الضرورة" بين القصور الرئاسية وقوافل الفقر والصمت والقهر والسكوت ومواكب الموت.

اي شيء من تلك الاحتفالات او من الكوبونات المزعومة او من مجموعة للسيارات التي كان يملكها الاستاذ عدي او من تلك التي اضيفت الى مجموعة فلاديمير جيرونوفسكي، اي شيء منها كان يكفي (بالقياس العراقي) لاعالة آلاف الاطفال والمسنين والمعوزين. وتلك هي المسألة وليس اصحاب الاسماء الذين يراد التشهير بهم الآن.

فهؤلاء، اذا صحت التهمة، اخذوا ما قدّم لهم. أما المسؤول فهو الذي تولى التقديم. والمسؤول هو ذلك العقل الخارق الذي اعتقد انه يستطيع ان يفك الحصار الدولي عن طريق المشترين. والمسؤول هو الذي رفع "الله اكبر" على العلم العراقي في ما كان يرفض التعامل الا مع سلوبودان ميلوشيفتش في ذروة مذابحه ومقاتله واغتصابه لأهل البوسنة.

كوبون من هنا وكوبون من هناك هذه مزحة. السؤال الى اين ذهب النفط الذي كان يفترض ان يكون من اجل الغذاء. واين ذهب الغذاء. واين ذهبت آلوف المليارات التي كانت في عهدة رجل واحد. كوبونات؟ استحوا. لا تضعوا المأساه تحت اقدام الطاولة.