في المنزل البعيد البارد!

TT

فجأة وبدون سابق انذار قرر فنان العمارة الشهير برتولد لوبتكين ان يهجر المدينة المزدحمة التي يعيش فيها، وينتقل بصحبة زوجته واطفاله الثلاثة الى مزرعة بعيدة في منطقة منعزلة بأحد الوديان.. واذا كان زملاء لوبتكين لم يجدوا سببا شافيا او تفسيرا واضحا للقرار الذي اتخذه زميلهم سوى رغبته القوية في العيش في عزلة تامة فان اصغر بنات لوبتكين اخذت على عاتقها القاء الضوء على الأسباب التي دفعت والدها لاتخاذ قراره الغريب، فكان كتابها الذي اصدرته وسمته «في هذا المنزل المعتم».

تتذكر لويز اصغر بنات فنان العمارة لوبتكين المكان الذي انتقلت للعيش فيه مع افراد اسرتها وكيف كانت به اشجار وزراعات كثيفة وقطعان اغنام وابقار كانت تتسبب في ازمات مرورية في بعض الاوقات، وكيف كان مذاق الحياة الريفية في ريف انجلترا.

وتتذكر لويز والدها صاحب تصميمات العمارة ذات الطابع الحديث الذي تلقى تعليمه في وارسو وباريس وبرلين ويجيد خمس لغات، وتصفه بأنه كان مفعما بحب الحياة جريئا غير هياب يؤمن بأن الهندسة المعمارية هي وسيلة للوصول الى الرقي الاجتماعي، لكن الصفات التي جعلت منه فنانا عظيما جعلته ايضا يبعث على الرهبة.

الحياة بالنسبة لأطفال لوبتكين كانت قاسية تخلو من الشعور بالدفء والحنان، حيث كبر الاطفال واعتادوا على الشعور بالبرودة التي كان سببها والدهم وكذلك المدفأة التي لم توقد طوال حياتهم في المنزل البعيد البارد المعتم.. والغريب ان لوبتكين كان يحتفظ في مكتبته بكراسة صغيرة يدون فيها اخطاء اطفاله حسب التسلسل الزمني، فعلى سبيل المثال ذكر في موضع في الكراسة ان لويز ابنته لم تقم بتنظيف غرفتها برغم انه ذكرها بذلك مرتين.

من وقت لآخر كان لوبتكين يبدو رقيقا طيبا، تقول لويز حتى انها تتذكر سحر القصص التي كان يقصها عليها وجمال مقطوعات شوبان الموسيقية التي كان يعزفها ونوافذ المنزل مفتوحة لكي تنتشر موسيقاه الى كل مكان، ولكن تلك الفترات السعيدة لم تدم طويلا، فقد زادت تصرفات الأب العنيفة، مما جعل لويز تقرر الهرب وهي الخطوة التي ربما كانت جيدة بالنسبة لها، لكنها كانت خطوة جيدة بالنسبة لكتابها لأن ما سردته في الكتاب حول حياتها كطبيبة أسنان وصراعها مع مرض فقدان الشهية لا يقارن بما سردته من قبل حول حياة والدها الذي رغم تنحيه قليلا عن مجرى احداث الكتاب، الا ان القارئ يشعر دائما برغبة في ظهوره من جديد.. فقد كان شخصا لا يمكن تجاهله.