وثائق لندن ووثائق بغداد (1 ـ 2)

TT

ظهرت على السطح معلومات ما كنا ندري بها، بعضها في لندن وأخرى في بغداد، وللمفارقة فان الوثائق مرتبطة بتاريخنا. الأولى تكشف عن رؤية مستقبلية خطيرة وكيف عولجت، والاخرى تدلنا بالتفاصيل على كيف تآمرت النخبة العربية.

محضر سري افرج عنه، ضمن سياسة بريطانيا برفع السرية عن الملفات بعد ثلاثين سنة على تسجيلها، بين الجانب السعودي والبريطاني، كشفت فيه الرياض كيف كانت تشك في نوايا جارها العراق، تحت الحكم البعثي، وانه يخطط لاحتلال الكويت. وسجل المحضر ما دار بين الملك فهد، (حينها وزير الداخلية) ورئيس وزراء بريطانيا ادوارد هيث ثم مع وزير الخارجية دوغلاس هيوم، ونشر مفصلا في هذه الجريدة اول من أمس.

فقد باح الوفد السعودي في عام 73 بارتيابه من نوايا بغداد حيال الكويت وكذلك من عدن، التي كانت عاصمة اليمن الجنوبي ضد سلطنة عمان. وخلال عقدين تحققت النبوءة فقد مول اليمن الجنوبي معظم القلاقل في الجوار العماني، ثم التهم العراق جارته الكويت. وقراءة الوثيقة بعد ثلاثين عاما تعفينا من التخمين وتحسم الجدل حول مسألتين اساسيتين في تاريخنا الحديث. الأولى ان غزو صدام للكويت لم يكن حالة خلاف حدودي او ولده استفزاز او قرار وليد لحظة احباط، بل كان عملا مبيتا. والثانية ان دول الاقليم كانت على حق في قلقها من النوايا المجاورة رغم محاولات البعض القفز عليها وتصويرها كاوهام محلية او ذرائع اجنبية.

الثابت، تاريخا، ان ما قيل على الطاولة كان يعبر عن بعد نظر في وقت كانت المنطقة تتغنى بالشعارات الفضفاضة التي تخفي تحتها نوايا سيئة. ومع ان الحدس السياسي أصاب الا انه لم يدفع المؤمنين به آنذاك الى مواجهة مبكرة، استباقية او وقائية. وهنا تقول لنا الوثيقة السرية ما هو اهم وهو ان بلدا يحمل هذه المخاوف لم يقترح على الدولة الكبرى غزوا او حربا ضد اليمن الجنوبي او العراق، بل كل ما طالب به القلقون دعم قدراتهم الدفاعية وقدرات جيرانهم، حيث حث الوفد السعودي هنا على دعم عمان واليمن الشمالي.

الوثيقة تكشف أيضا اننا لم نكن جاهلين او سذجا بل وقعنا رهينة الوضع العربي العام الذي منه يؤتى الحذر. فلم يكن معقولا التحول الى دول عسكرية بناء على مخاوف مستقبلية ولم يكن مقبولا الاستنجاد بالآخرين فقط بناء على ظنون. الوثيقة تنفي السذاجة وتنفي التآمر لكنها لا تمنع المآسي الآتية. لهذا صدمنا بما جرى في اغسطس عام 1990، وصدمنا أكثر ان البعض صدق ما بثه صدام من ذرائع واهية كقضية انتاج النفط او خلاف الحدود. وصدمنا بأسى شديد استغلال البعض دعايات الأخوة واتفاقيات الدفاع المشترك لتختبئ خلفها الافاعي والثعالب.