إنه الإفلاس الأخلاقي.. بل والاستراتيجي أيضا

TT

أنا كنت حقا ضمن المشاهدين لمباراة الـ«سوبر باول» وكنت أيضا منزعجا للعرض الذي قدم لفترة في فاصل الاستراحة ولم يكن الانزعاج فقط بسبب سلوك جانيت جاكسون المستهجن. بعد انتهاء العرض قلت لزوجتي كيف يمكننا أن نقدم شيئا ما للعالم لا يتسم بالابتذال والتفاهة في وقت هناك 115 ألفاً من جنودنا يخوضون حربا في العراق ويموتون بمعدل شخص واحد كل يوم؟ أنا أدرك أن ذلك أمر غير منطقي إذ ليس هناك أي مبدأ يقول إن عرض الـ«سوبر باول» يجب أن يكرِّم جنودنا الذين يخوضون الحرب. لكن ذلك العرض الذي جرى في فاصل الاستراحة أصبح نوعا من لحظة قومية والطريقة البشعة التي تم فيها أداء العرض قد أثار في نفسي الانزعاج للطريقة التي نفِّذت الحرب ضد العراق وفقها: العبء بأكمله تحمله عدد صغير من الكوادر الأميركيين ـ الجنود وعائلاتهم والاحتياط ـ في الوقت الذي عاش فيه الباقون منا وهم يواصلون حياتهم العادية مثل السابق كأن الحرب لا صلة لها بنا.

وما أثار انزعاجي أكثر هو أن هذا الانقسام هو بالضبط ما يريده فريق بوش. فمنذ البداية تبنى أفراده وجهة النظر التي ترى أن الحرب سيتم تنفيذها على يد البنتاغون لوحده. فسادت افكار من شاكلة نحن لسنا بحاجة إلى وزارة الخارجية وأفكارها حول مسألة إعادة بناء العراق. ونحن لسنا بحاجة إلى الأمم المتحدة. ونحن لسنا بحاجة إلى حلفائنا التقليديين. والأكثر من كل ذلك هو أننا لسنا بحاجة إلى الجمهور. وكانت الرسالة من البيت الأبيض هي: «عليكم أن تواصلوا أعمالكم كأميركيين وأن تستمروا في تحقيق السعادة لأنفسكم وأن تنفقوا استقطاعات الضرائب كما تحبون، وأن تستمتعوا بعرض الفاصل الانتصافي في مباراة الـ«سوبر باول» واتركوا شؤون هذه الحرب لجيشنا المتطوع. فليس هناك أي تضحيات مطلوبة منكم وليس هناك أي ضرائب عليكم أن تدفعوها لهذا المسعى الضخم، وليس هناك أي حاجة لتخفيض الغازولين الذي تستهلكونه حتى لو أن ذلك سيأخذ الأموال من القوى المتطرفة والمتعصبة التي تقتل جنودنا. لا، نحن أغنياء جدا وعلى حق تماما وإننا قادرون على الانتصار بالحرب بدون أي طرف آخر عدا القوات المسلحة التي ستدفع أي ثمن مقابل أو تحمل أي أعباء مهما كانت عسيرة». هذه الرؤية مفلسة تماما على الصعيدين الأخلاقي والاستراتيجي.

إنها مفلسة أخلاقيا لأن 1% من الأميركيين يتحملون عبء الحرب بأكمله. بعد انتهاء الـ «سوبر باول» سافرت إلى مدينة تامبا في ولاية فلوريدا لزيارة مقر القيادة المركزية والجنرال جون أبي زيد وكادره. وهؤلاء هم المنفذون للحرب في العراق. والتقيت هناك أيضا بالكثير من الجنود من نساء يخدمن كمحللات في مركز الاستخبارات إلى أولئك الذين يعملون كمخططين استراتيجيين عادوا توا من بغداد، وكل هؤلاء كانوا قد قضوا أشهرا بعيدا عن عائلاتهم أو بعضهم يعرف رفاقا قُتلوا أو جرحوا في العراق.

ومع ذلك فإن معنوياتهم وروح حرفيتهم وإيمانهم بعدالة الحرب ظلت قوية بشكل مثير للدهشة. وإذا كنتم تريدون عقارا ضد كل التوافه في عرض الـ«سوبر باول» فعليكم أن تقضوا يوما في القيادة المركزية. أنا أعدكم بأنكم ستخرجون من هناك مع شعور طاغ: نحن لا نستحق هؤلاء الناس. إنهم أفضل بكثير من الوطن والحكومة اللذين يحاربون من أجلهما. نحن مدينون لهم بالكثير من الاحترام وبالكثير من التضحيات من جانبنا وبقيادة أفضل من فريق بوش الذي تكمن خطيئته لا في تضخيم خطر صدام حسين فقط بل في إرسال الأميركيين لإزالته من السلطة بدون منحهم خطة لما سيعقب تنفيذ هذه المهمة.

كل ما علي القيام به هو رؤية ما حدث للأكراد قبل فترة قصيرة ـ هؤلاء الناس الذي بنوا نظاما ديمقراطيا صغيرا وسوقا حرة في شمال العراق لكي يحصدوا فقط هجمات انتحارية على يد المتطرفين الإسلاميين ـ لكي أتذكر أن هذه الحرب كانت حربا عادلة. إنها حرب بين قوى التسامح والتعددية واللياقة ضد قوى التعصب الأعمى والفاشية الدينية.

يكتب صديقي جورج باكر الكاتب في صحيفة الـ«نيويوركر» الذي أرسل مقالات رائعة من العراق ويقول: «لكن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه المحافظون الجدد وهذه الحكومة هو التفكير بأن الولايات المتحدة قادرة على خوض هذه الحرب لوحدها. نحن لم يكن بإمكاننا أن نربح الحرب الباردة بدون حلفاء ديمقراطيين في الخارج وبدون تضحيات حقيقية في داخل الولايات المتحدة ونحن لا يمكننا الانتصار في هذه الحرب بدون الجانبين. إنها حرب أفكار ضخمة وطويلة الأمد نحن بحاجة إلى كسب الشعب الأميركي وحلفائنا لصالحها. لكن هذه الإدارة لم تتوصل أبدا إلى هذا الاستنتاج».

نحن بإمكاننا أن نهزم صدام لوحدنا، لكننا لن نتمكن لوحدنا أن نؤسس مركزا سياسيا محترما في العراق. نحن لا نمتلك قدرا كافيا من الشرعية أو القوة هناك. نحن بحاجة إلى كسب حلفائنا وضمنهم فرنسا وألمانيا والأمم المتحدة في هذا الصراع المهول. فريق بوش أجبِر على الاعتراف بخطئه بما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، والأوروبيون أجبِروا على الاعتراف بخطئهم فيما يتعلق بصدام. لقد حان الوقت لإعادة التحالف الذي بفضله تحقق الانتصار معا في الحرب الباردة.

يجب القول إن الجناح اليساري مخطئ في موقفه ضد الحرب. فبغض النظر عن الطريق المشوه الذي اتبعه بوش في شن وتنفيذ الحرب فإن هذه الحرب من أجل قيم حضارتنا. لكن بوش والمحافظين من حوله على خطأ. إنه ليس ممكنا الفوز بالحرب مع مثل أخلاقي يرى أن الذاتية والشراهة والغرور العاجز عن النقد الذاتي والإيمان بأن الانتصار في هذه الحرب يتحدد فقط بإرادتنا وقوتنا ولا شيء غير ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»