الوظائف أهم

TT

الخطاب العربي الرسمي، ومعه النخب العربية غير المرتبطة بالحكومات معذورون، فتلاحق الاحداث التي تمر على المنطقة، وتفرض اجندتها على ايقاع الحياة اليومي تجعل هذه النخب تلهث وهي تحاول ملاحقة كل هذه التطورات واستيعابها ثم بناء استراتيجية صحيحة تجاهها.

وقد كانت هذه النخب مشغولة في اهتماماتها طوال عقود بالصراع العربي ـ الاسرائيلي الذي القى بظلاله على كل شيء في المنطقة ثم دخلت عملية السلام لتفتح املا ما لبث ان تلاشى مع التدهور الحاصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وفجأة بدأت قضايا اخرى تدهم المنطقة بايقاع سريع للغاية بدءا من موجة التطرف وانعكاسات ما حدث في 11 سبتمبر التي وضعت المنطقة في قفص الاتهام بأنها مصدرة للارهاب ثم جاءت الحرب في العراق، ومتاهات اسلحة الدمار الشامل، ودمقرطة المنطقة لتكتمل الصورة ويصبح الجميع مشغولا للغاية في مواجهة دفق من التحديات والقضايا، اخرها الحجاب في فرنسا!

لكن وسط كل هذه العناوين الكبيرة التي فرضت نفسها على المنطقة، وانشغلت بها المحطات التلفزيونية والندوات والبيانات، تلاشت من قائمة الاهتمامات عناوين اخرى تبدو أقل اولوية وسط هذا الزخم من القضايا الكبيرة لكنها في حقيقة الامر تمس حياة الناس مباشرة، وتعتبر اكثر التحديات خطورة على أمن المجتمعات العربية واستقرارها.

هذه العناوين المهملة والتي لن يتحقق شيء منها ما لم تعط الاولوية ولو حتى على حساب ارجاء القضايا الكبيرة، تتعلق بالوضع الاقتصادي في معظم الدول العربية، وتوفير الوظائف لجيوش الشباب الذين يتخرجون سنويا ويحاولون العثور على فرص وظائف في اسواق عمل تعاني من انكماش الاقتصادات وعدم قدرتها على جذب وتوليد قدر كاف من الاستثمارات يؤمن حل مشكلة البطالة المتفاقمة التي بدأت تصل الى نسب خطرة في بعض بلدان المنطقة.

وقراءة الارقام والاحصاءات الاقتصادية عن المنطقة تبدو مفزعة، فالمنطقة بكل امكانياتها وثرواتها الطبيعية والبشرية تقف وراء بقية مناطق العالم في معدلات النمو وفي احسن حالاتها لا يتجاوز معدل النمو السنوي 3% في بعض البلدان بينما تحتاج الى نسب لا تقل عن 9% لتعويض الفجوة وسد احتياجات الزيادة السكانية، وفي الوقت ذاته فهي اقل مناطق العالم جذبا للاستثمارات الاجنبية، وحتى المحلية تفضل اللجوء الى الخارج طلبا للامان، ومعدلات دخول الافراد التي حققت بعض التقدم في منتصف التسعينات تتراجع منذ عدة سنوات. وينعكس ذلك على كل شيء بدءا من مستويات التعليم الى ضعف اسهام المنطقة في الاقتصاد العالمي وتطوره.

واذا كان التوتر السياسي الذي تعيشه المنطقة ينعكس سلبا على المناخ الاقتصادي والاستثماري، فان البيروقراطية والسياسات الاقتصادية غير السليمة اضافة الى الفساد، تلعب دورا اكبر في احباط فرص تحقيق نمو اسرع وجذب استثمارات اكبر.

ومعالجة هذا الخلل مسألة لم يعد من الممكن تجاهلها او تأجيلها تحت اي ذريعة، فخلق وظائف للناس اهم من اي شيء اخر اذا اردنا تفادي انهيار في المجتمعات.