الرهان الوردي

TT

اربع وصايا تلقيتها بالبريد الالكتروني أسعدت يومي وغدي وفكرت في نشرها علنا ليعم التفاؤل والفائدة، فهي بطاقات ملونة على كل واحة منها نصيحة لا تسوى جملا فحسب بل حديقة حيوان كاملة.

على البطاقة الاولى ومع باقة زهور وصية تذكرك بألا تعد الاوراق الميتة والمتساقطة حين تزور حديقة ما فالاجدى ان تحصي البراعم والزهور النضرة المتفتحة لتوها بكل بهاء النضارة والشباب وحب الحياة.

ومع صورة طبيعة غاضبة وانسان هش مذعور يوصيك المتفائلون ان تعد ايامك المشمسة لا الغائمة وان تحصي النجوم التي تظهر في لياليك لا الظلال والغيوم التي تحجب نجومك وأقمارك.

وبما ان هذه الطريقة الانتقائية في التفكير الايجابي واضحة فان ابتسامة الطفلة على البطاقة الثالثة تذكرك ودون حاجة لكلام كثير كبير ان تحصي عمرك بعدد الابتسامات ولحظات السعادة لا بالنكبات والنكسات والدموع.

وحين تصل الى خريف العمر يصبح عد السنوات الماضية أقسى لانها صارت اكثر بكثير من الباقية لذا يطلب منك اصحاب هذا الرهان الوردي الجميل ان تحصي عمرك بعدد الاصدقاء الذين اكتسبتهم خلال هذا العمر، فاحصاء الاصدقاء يضفي حرارة وودا على الكهولة والشيخوخة بعكس عد الايام والسنين.

ولم اجد مشكلة محيرة في هذه الوصايا الوردية الا في الرابعة، فالصداقة الحقيقية مثل الحب الحقيقي قليلة ونادرة فبعضنا ممن لا يخلط بين المعارف والاصدقاء يصل احيانا الى ارذل العمر وليس عنده الا صديق او صديقان اصطفاهما بعد عمر طويل من طعنات الاصدقاء التي تؤلم اكثر من طعنات الاعداء.

ان الاصدقاء الخلص مثل الصباح المشمس الجميل يمرون خطفا وللحظات ثم يغيبون مع اعمالهم واسرهم وحياتهم لكنك تعرف انهم دوما هناك عندما تحتاج ألفتهم وودهم وأنسهم فوجودهم وحده يكفي ليشعرك بالامن والامان والتفاؤل فهم دوما معك وان غابوا ليقولوا لك ضمنا وتصريحا وتلميحا وصمتا بانك لا تواجه العالم وحيدا بل مع اصدقاء يقفون معك في وجه الوحدة والغبن والحيف وبرودة الايام.

ولا عيب ان تعترف ان اصدقاءك قلة فالحسابات على هذا الصعيد بالكيف وليست بالكم فصديق واحد على ذات الموجة الروحية والاهتمامات يغنيك عن الف مما يعدون.

ومهما كان عدد اصدقائك ومحبيك تذكر هذه الوصفة الرباعية للتفاؤل فقد يزيدون لان الطبيعة البشرية تنفر من المتجهمين العابسين والمتشائمين وتميل الى الصنف المقبل على الحياة الذي يرى النصف الممتلئ من الكأس وليس النصف الفارغ فان أحسست ان هذه العبارة صارت كليشيه بائتة فليكن تفاؤلك على طريقة اسمهان التي كانت كما وصفها معاصرها محمد التابعي لا تحب رؤية الكأس مليئا ولا تطيق ان تراه فارغاً.

الفرح والفرج يأتيان دوما من حيث لا تحتسب ومن الجهة التي لا تتوقعها فما من حال يدوم لذا كان العام اربعة فصول الربيع أقربها الى القلب وكل ما يريده أصحاب الرهان الوردي مساعدتك على تحويل العمر الى ربيع دائم وما أظنهم واهمين فالصداقة والحب ربيع الحياة وصيفها وخلف كل غيمة مهما كانت حلكتها سماء صافية ستشع لأجلك ـ عاجلا أم آجلا ـ بالاقمار والنجوم.