خان وصاحب الدكان

TT

كل اللوم يوجه الى ابي القنبلة الذرية عبد القدير خان بانه صاحب دكان التجارة النووية، فهل يعقل ان عالما صار تاجرا، ولسنوات يبيع ويشتري في هذه السوق السرية الكبيرة؟ اجده امرا صعب التصديق ان عالم ذرة يمكن ان يكون بائعا متجولا من بيونغ يانغ وحتى طرابلس الغرب يتنقل لسنين حاملا خرائطه وبضاعته متجاوزا كل الأعين الدولية التي ترصد الاتصالات مع الايرانيين والليبيين والكوريين اكثر من غيرهم، وترصد ايضا نشاط العاملين في القطاع الذري الباكستاني. العالم خان اعترف انه طرف واعترافه السريع ترك الاسئلة المهمة بلا اجابات، ماذا عن الاطراف الاساسية التي تدير الشبكة؟

باكستان فاجأت العالم انها المصدر السري بعد ان كانت الشبهات تحوم على المافيا الروسية ودولها التابعة، التي ظهرت حولها افلام وطبعت روايات على انها مصدر الرؤوس والتقنية المحرمة. لم يقل احد من قبل ان باكستان يمكن ان تكون مصدرا حتى اكتشف الامر في ليبيا، ولو لم يفضح السر هناك فهو على وشك ان يضبط في ايران التي اوحت بان باكستان طرف عندما عثر على آثار التخصيب في احد مفاعلاتها.

لكن الحكومة الباكستانية لم تقنعنا بان عالما هو المدبر ورئيس شركة السوق النووية السوداء المعقدة والبالغة سرية لا مثيل لها. يصعب ان يكون حفنة علماء تجارا في مناطق بالغة الخطورة وفي عالم يستهدف امثالهم بالخطف او الاغتيالات.

في تصوري ان خان رهينة وكبش فداء معا. فالزج باسمه جعل من الصعب التحقيق تماما في المجموعة المدبرة الحقيقية لان الباكستانيين يعتبرون، وهم محقون، ان خان بطل حقق لهم التوازن الدفاعي الضروري مع عدوتهم الهند. ينظرون اليه كما ينظر الاميركيون الى رمزهم العلمي اينتشتاين، الذي له نفس القداسة الشعبية ولن يجرؤ احد على معاقبته.

لكن بيع الاسرار كان عملا سيئا لباكستان نفسها؟ هنا يوجد خلط بين الاعتزاز بعالم متفوق وتجارة تمت على حساب نجاحات باكستان العلمية، فالذين باعوا ما في حوزة بلادهم ارتكبوا مخالفات خطيرة في حقها، حيث ان المؤسسة الباكستانية الرسمية لا يعقل ان تساعد دولة منافسة كايران على بناء سلاح يجعلها على نفس المستوى، ويهددها مستقلا. ولا يعقل ايضا ان تعين باكستان كوريا الشمالية البعيدة والشيوعية على حساب مصالحها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وضد رغبة دول مهمة لها كاليابان. فما جناه التجار من ملايين الدولارات اضر بمصالح بلادهم، حتى لو لم يعترف الليبيون او يكتشف الاميركيون الحقيقة.

واتهام خان ورميه للذئاب جريمة توازي الخيانة بما سببته، ولهذا استخدمه الفاعلون الحقيقيون هربا من مسؤوليتهم. وهذا ما حدث، حيث حققوا هدفهم الاساسي، باستمالة الشعب الباكستاني بدل مواجهته، ومنع المحققين من الوصول الى رؤوس الدكان النووي.