ليس دفاعا عن الناضجات

TT

من شب على الشيء ليس من الضروري ان يشيب عليه، فهذا جاك نيكلسون في آخر افلامه ينقلب انقلابا كاملا، وبدلا من قانونه الدائم الذي سنه لنفسه منذ الشباب الاول بألا يتواصل رومانسيا مع امرأة فوق الثلاثين، يقع وهو في الثالثة والستين في غرام سيدة مكتهلة مكتملة ناضجة من النوع الذي لم يسبق له ان جربه في سنوات عمره المليء بالنساء العابرات.

ومن المرجح ان تفوز ديان كيتون بأوسكار أفضل ممثلة أواخر الشهر الحالي عن دورها في ذلك الفيلم البديع something"s gotta give فالحب عطاء وصراع، والمرأة الناضجة بطلة الفيلم لا تريد قبل الدخول في اية علاقة غير ضمانة عاطفية وحيدة هي القلب، وهي بهذه الميزة تختلف عن الشابات اللواتي عرفهن البطل وكن يبحثن عن المال والجاه والمنصب واشياء عملية اخرى.

وديان كيتون في الفيلم في السابعة والخمسين، لكنها تحب كالمراهقات وتبكي الليالي وهي تحيل عذاباتها التراجيدية الى مشاهد كوميدية لتسلو وتنسى بانتظار ان يعطيها نيكلسون قلبه، فهل فعل؟

لقد حاول طويلا الا يفعل وذهب في رحلة طويلة خلف ماضيه، فاذا بكل من عرف من نساء يغلقن في وجهه الابواب، وهكذا لم يبق امامه الا ان يتوجه الى جسر اليكساندر في باريس ليطل مع من يحب على برج ايفل بالليل وهو مشهد لا تشبع منه الافلام الرومانسية ولا اصحاب القلوب الخضراء.

وفي الفيلم رشة اخلاقية تجعله مختلفا عن فيلم «الأم» وهي بمثابة رشوة للأخلاقيات الاجتماعية شرقا وغربا حيث لا يرضى الجميع ان تقيم الأم علاقة مع صديق أو زوج ابنتها، لذا تحرص المخرجة نانسي مايرز على ان تذكرنا في مناسبتين ان «الشايب العايب نيكلسون» الذي لا يوجد من يلعب هذا الدور مثله لم يقم علاقة كاملة مع البنت فهي تجهزه حسب السيناريو لعلاقة مع امها.

وهذه المخرجة التي تعرف بنات جنسها اكثر منا هي التي قدمت قبل سنتين فيلم «ماذا تريد المرأة؟» مع ميل جيبسون، وإليها تعيد كيتون قصة نجاحها في ذلك الدور الصعب فلو لم تكن المخرجة امرأة لما نجح ذلك المشهد الكوميدي العجيب عن كهلة وكهل يريدان ممارسة الحب فيضطران في منتصف المشهد الى قياس ضغط الدم. ومع هذه النوعية من العشاق لابد ان تأتي الكثير من مشاهد النكات التقليدية عن الفياجرا فمن يواعد اكثر من امرأة واحدة يجب ان يظل جيبه مليئا بالحبوب الزرقاء حسب نصيحة جاك نيكلسون الذي يشكل ظاهرة فريدة وغير قابلة للتقليد بين ممثلي الكوميديا. لقد اكتشف بطل الفيلم الاختلاف في العلاقة بين الناضجة والمراهقات منذ الليلة الاولى، فمع الغراميات السطحية تنتهي العلاقة عند طرف السرير حين يتمنى الرجل ان تنشق الارض وتبتلع رفيقته العابرة ليخلد الى النوم. ومع المرأة الناضجة وهي في الفيلم كاتبة مسرحية مطلقة، يكتشف ان هناك ما هو ابعد من العناق السريع فالحب الحقيقي يبدأ بعد ذلك في ما يسمى بأحاديث الوسادة التي تظهر التواصل العميق أو تكشف الخواء الروحي لأحد الطرفين أو لكليهما معا فتنتهي العاطفة والشبق ويظل الخواء والملل. ولعل الذي جعل من هذا الفيلم تجربة صراعية مختلفة وجود طبيب مدله بالأم في عمر ابنتها، فهي الاخرى كانت امام مفترق خيار صعب: الحكمة أم الشباب؟ والحب الصاخب غير المتكافئ المعرض لزوال سريع ام ذاك الذي يحفر مجراه بهدوء ومثابرة نضرة كالانهار ويوجد لينعش الضفتين ويبقى.