.. حتى لا يقع ما هو أخطر

TT

أخطر ما يمكن ان يترتب على الانسحاب الاسرائيلي «الموعود» من غزة، هو حدوث فراغ أمني قد يشجع فصيلا فلسطينيا ويغريه، والمقصود هنا حركة «حماس»، بالاسراع لسدّ هذا الفراغ وفرض الهيمنة بحكم الأمر الواقع على هذه المنطقة، الأمر الذي سيؤدي الى صدامات فلسطينية ـ فلسطينية ربما ان شارون رغب في استدراجها بإعلانه مثل هذا الانسحاب من طرف واحد.

في كل تاريخ الصراعات، عندما كانت تبادر الدولة المُحتلَّة الى الانسحاب من طرف واحد من الاراضي التي تحتلها، فإن الهدف كان إذكاء الصراعات الداخلية، سواء كانت هذه الصراعات عِرقية أو طائفية أو مذهبية أو سياسية، بين فصائل غير موحدة. وهذا ما كاد يحصل في الجزائر في لحظات الاستقلال الاولى، لولا الحزم الذي أبداه جيش التحرير بقيادة هواري بومدين رحمه الله، ورفض الشعب الجزائري للفتنة والاقتتال والحرب الأهلية.

كل المعلومات التي مصدرها كبار المسؤولين في «فتح» والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، تشير الى ان الاجهزة الأمنية الفلسطينية في غزة في أوضاع في غاية الترهل، وان المتوقع انها لن تكون قادرة على ضبط الأمور في منطقة تعتبر غابة بنادق إذا انبلج فجر احد الايام، وإذ بالقوات الاسرائيلية قد غادرت مدن وقرى ومخيمات «القطاع»، وفككت مستوطناتها ورحلت.

والمؤكد إذا كانت هذه المعلومات الآنفة الذكر عن وضع الاجهزة الأمنية الفلسطينية الرسمية صحيحة، والواضح ان فيها الكثير من الصحة، ان الوضع الفلسطيني سيدخل مأزقا جديدا، بالاضافة الى مآزقه الحالية الكثيرة، إذا لم يجر الاعداد لتطورات ذلك اليوم المرتقب، منذ الآن، واذا لم تبدأ كل الفصائل والقوى الفلسطينية مباحثات عاجلة لتلافي حدوث أي فراغ أمني في حال انسحاب الاسرائيليين من طرف واحد.

لا بد من ان تبادر السلطة الوطنية الى تحقيق مطلب توحيد اجهزتها الأمنية الذي ادرج كبند رئيسي في «خارطة الطريق»، والذي كررت مصر إثارته قبل أيام، وذلك لأن ترك الأمور على ما هي عليه من ترهل ومن صراعات ومناكفات، سيغري حتما الذين ينتظرون مثل هذه اللحظة لملء الفراغ الأمني الذي سيحدث، بالتأكيد، إذا انسحب الاسرائيليون من طرف واحد وبدون أي تنسيق وبصورة مفاجئة.

حتى لا يجد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وفي كل مكان نفسه امام أوضاع مأساوية جديدة، وحتى لا ينفتح جرح جديد في خاصرة هذا الشعب الذي نزف كثيرا وعانى طويلا، وفي خاصرة هذه الأمة الغارقة في المصائب حتى رأسها، فإنه على القوى الفلسطينية الرئيسية، السلطة و«حماس» على وجه التحديد، ان تتفاهم منذ الآن على ما يمكن فعله حتى لا يحدث الفراغ المتوقع، في حال انسحاب الاسرائيليين من طرف واحد، وحتى لا يغري مثل هذا الفراغ جهة فلسطينية بالتحرك لفرض نفسها وبالقوة بديلا عن منظمة التحرير والسلطة الوطنية.

يجب ان يتفاهم الفلسطينيون وبسرعة لتحاشي ما يمكن ان يحدث، في حال ان تنفيذ شارون ما كان خطط له، واعلنه وانسحب من جانب واحد من غزة. وهنا فلعل الأخطر من الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية، هو ان يصبح هناك كيانان فلسطينيان: الاول في قطاع غزة والسيطرة فيه لحركة «حماس» وحلفائها، والثاني في الضفة الغربية والسيطرة فيها لـ «أشلاء» السلطة الوطنية وحركة «فتح» ومنظمة التحرير.

لا يكفي ولا يجوز ان يبقى الفلسطينيون يرددون ان شارون طرح هذا الطرح، وعرض هذا العرض للهروب من تهم الفساد التي باتت تحاصره وتهدد باسقاطه، فالمسألة ابعد من ان رئيس الوزراء الاسرائيلي اراد بخطة الانسحاب من غزة من طرف واحد، مجرد الهروب من ازماته الداخلية، والقصد قد يكون دفع الفلسطينيين الى الاحتراب الداخلي، وبالتالي تقزيم الدولة الفلسطينية المقترحة، بحيث لا تشمل إلا قطاع غزة وحده، وبحيث تكون الهيمنة على هذه الدولة للجهة القادرة على ملء الفراغ الذي سيحدث بالتأكيد، إذا لم يكن هناك تفاهم بين مراكز القوى الفلسطينية منذ الآن، وإذا لم تسارع اجهزة السلطة الى استعادة لياقتها قبل ان تقع الواقعة.