الإعلام العربي.. وموقفه من الأحداث..!

TT

بعد مرور اكثر من سنتين على أحداث سبتمبر 2001 الكارثية التي اطلقت العنان لحرب اعلامية جديدة على الاسلام والعالم العربي فإن من المناسب التأمل في دور الاعلام العربي ازاءها ومتابعته لها ونقلها وتحليلها.

لقد اصبح الاسلام والعالم العربي منذ ذلك الوقت محل تركيز اعلامي غير عادي من قبل المؤسسات الاعلامية الغربية، خصوصا في الولايات المتحدة فاق أي اهتمام اعلامي لأي قضايا أخرى، وقد اتسعت هذه الحملة الاعلامية وتعمقت لتشمل كل ما يتعلق بالاسلام وبالعرب، ولم يبق جانب من دينهم أو تاريخهم أو حضارتهم إلا واعتبرته هذه الحملة مرتبطا بالتخلف والعنف، وسواء اعتبرنا هذه الحملة نتيجة اهداف محددة سلفا وتخطيط مسبق أو انها نشأت لاستغلال فرصة تاريخية سنحت نتيجة احداث سبتمبر 2001، فإنها كانت حملة ذات اطار وعناصر متكاملة تجعل من الصحيح تعريفها على انها حرب نفسية شاملة تهدف لتحقيق اهداف معينة.

لكن ما يلفت النظر هو ان الاعلام العربي لم يلاحظ كما يبدو الاطار والعناصر المكونة لهذه الحرب النفسية ولم يحدد دوره على اساس نطاقها العام، لكنه استقبلها على اساس جزئياتها كأخبار وآراء وتحليلات وتعامل معها كلا على حدة في حدود الاحداث التي تتناولها أو انه نقلها كمواد اعلامية مثيرة تجتذب القراء والمستمعين العرب بغض النظر عن نوعيتها وصدقيتها، وقد اظهر ذلك الاسلوب في التعامل مع هذه المواد الاعلامية نقطة ضعف ملحوظة في المؤسسات الاعلامية العربية وهو اعتمادها الفني الكامل على ما يردها من المؤسسات الاعلامية الغربية واقتصار دورها الى حد كبير على ترجمته ونشره.

لقد أدى التنافس بين بعض المؤسسات الاعلامية العربية الى ترجمة ونشر ما يرد من هذه المواد الاعلامية، من دون التأكد من نوعيتها ومصداقيتها، الى حصول الحرب النفسية على الدعم الذي تحتاجه لايصال تأثيرها الى العرب، ومما زاد من تأثير هذه الحملة ظهور عدد من الكُتّاب العرب الذين حركت التطورات الجارية في المنطقة العربية مشاعرهم الوطنية فكتبوا عن قضاياهم ومجتمعاتهم متأثرين بمضامين هذه الحملة الاعلامية وعلى نفس سياقها واسلوبها واتخذوا موقفا سلبيا من مجتمعاتهم وقضاياهم الوطنية وبالغوا في تضخيم نقاط الضعف وتجاهلوا كل جانب ايجابي فيها.

ان هذا السيل الهائل من الضغوط الفكرية على القراء والمستمعين العرب لا ينتج عنه سوى اضعاف ثقة العرب بأنفسهم واوطانهم ويثبط من مقدرتهم على تحقيق اهدافهم الاساسية في تحقيق مطالبهم السياسية والانمائية ومن يستمع الى مداخلات القراء والمستمعين العرب في الوسائل الاعلامية العربية يلاحظ قدرا يلفت النظر من التعليقات المتشائمة التي تعكس هذه الضغوط الاعلامية.

ان المسؤولية الوطنية لوسائل الاعلام العربية في مواجهة هذه التطورات لا تتحقق بامتداح الاوضاع العربية الحالية ولا باتخاذ موقف سلبي منها يركز على جوانب الضعف والاخطاء والغاء كل ما امكن تحقيقه وبناؤه ولا يستطيع أي كاتب ان يقنع قراءه بما يكتبه لمجرد تكذيب الآخرين أو التقليل من شأن وطنه ومجتمعه، كما ان وسائل الاعلام نفسها لا تستطيع ان تكسب احترام قرائها ومستمعيها اذا لم تهتم بنوعية ما يكتب أو يقال فيها، لذلك فإن المؤسسات الاعلامية العربية مدعوة لممارسة دور مسؤول يعزز مقدرة أوطانها على مواجهة هذه الحرب الاعلامية وتقوية ثقة العرب بأنفسهم وامكانياتهم ومواصلة السير نحو تحقيق اهدافهم الوطنية وليس الدخول في مرحلة جديدة من اليأس والفوضى التي تهدف الى تحقيقه هذه الحملة الاعلامية.

* وزير المالية السعودي السابق