دليل الحصول على مخابرات أفضل

TT

اجري حتى الآن، ما لا يقل عن أربعة تحقيقات حول المعلومات الاستخبارية التي سبقت الحرب على العراق، وكل منها كان شديد الانتقاد لها. وإذا كان التحقيق الجديد سيخبرنا عن تفاصيل جديدة لا نعرفها، فنحن لا نستطيع، مع ذلك، أن ننتظر حتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل حتى يبدأ تنفيذ التعديلات، لأن ذلك سيحافظ على وضع لا يمكن تحمله يتعلق بمصداقية الولايات المتحدة وأمنها الوطني، الذي سببه الخلل في معلوماتها الاستخباراتية.

على المسؤولين السياسيين والاستخباريين أن يكفوا عن إنكار هذه الحقيقة. عندها ستكون امامهم مجموعة خيارات يمكن تطويرها وتنفيذها من خلال الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فإضافة إلى ما طرحه الرئيس جورج بوش، من أن تحقيقا آخر سيتم الشروع فيه، عليه أن يعلن عن خطوات محددة الآن لتحسين الاستخبارات واسترجاع مصداقيتها بين الناس.

أولا ـ عليه أن يبدأ بالدعوة إلى التعلم ثانية من الدروس المستفادة في الشؤون الخارجية. ففي سنة 1992 كتب روبرت غيتز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك: «على المحللين أن يشددوا على ما لا يعرفونه، وألا يحاولوا، بدلا من ذلك، اتخاذ قرارات حاسمة... يجب عليهم باستمرار التصدي للافتراضات الاولية، والعمل على تجنب التفكير وفق ما تريده الجماعة». هذه الدروس ضاعت وسط التقدير الاستخباري الأساسي حول أسلحة الدمار الشامل العراقية. كان على الرئيس أن يخبر مدير الـ «سي آي إيه»، جورج تينيت، لإعادة توزيع هذا الدليل لكل محلل في الأوساط الاستخبارية.

ثانيا ـ يجب علينا أن نصحح وبسرعة أية تقييمات أخرى حول أسلحة الدمار الشامل، قد تكون ناجمة عن نفس العجز الذي وجدناه في تحليل الملف العراقي. فإذا كانت التقييمات تشير الى أن برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية بعيدة عن الحقيقة، فإن علينا أن نقلق من أن يكون ثمة خلل في التحليل الاستخباري المتعلق بأسلحة الدمار الشامل، ذا طبيعة تنظيمية، تخص برامج أسلحة الدمار الشامل والأنشطة المعنية بها في بلدان أخرى، مثل إيران وليبيا وكوريا الشمالية وسورية وباكستان. وعلى الرئيس بوش أن يوجه وكالات الاستخبارات نحو اجراء مراجعة معمقة للتقديرات الخاصة بأسلحة الدمار الشامل على المستوى العالمي، وإصدار معلوماتها المتجددة في هذا الميدان. إضافة إلى ذلك، يجب أن تقوم هذه الوكالات بإجراء مقارنة تفصيلية للمعلومات الاستخبارية المتعلقة ببرامج أسلحة الدمار الشامل الخاصة بليبيا انطلاقا من الوقائع التي تم العثور عليها على أرض الواقع.

ثالثا ـ علينا أن نحسِّن من جمع المعلومات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وهذا يتضمن تشغيل ونشر عدد أكبر من الأفراد. قيل لنا إن الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية كشفت عن مرافق لخزن الأسلحة. لكن لم يكن في حوزتنا المصدر البشري أو القدرة على جمع المعلومات من مسافة أقرب تجعلنا نعرف بالضبط ما كان يجري حقا فوق سطوح المباني أو في داخلها. والمصادر البشرية التي توفرت لنا لاحقا، اتضح أنها غير موثوق بها. وهناك دلائل تبين أن مصادر أخرى تم تجاهلها لأنها تحدثت عن أشياء لم نكن نود تصديقها، مثل القول بغياب برامج فعالة لأسلحة الدمار الشامل. وكان على الرئيس بوش أن يوجه تينيت لتنفيذ عملية محسّنة للتدقيق بمصادر المعلومات، ووضع خطة صارمة لتنويع القوى العاملة في ميدان الاستخبارات، بحيث يمكن إشراك أولئك الذين يفهمون ثقافات ولغات تلك البلدان والجماعات المستهدفة، والبدء بوضع برنامج بحث وتطوير مستعجل يهدف إلى تطوير تقنية أفضل لتقصي برامج أسلحة الدمار الشامل.

رابعا ـ على الرئيس أن يبدأ بالمطالبة بتشكيل قوة تفتيش صارمة تابعة للأمم المتحدة، والتعهد بتكريس مصادر أميركية تصب في هذه الجهود. وقد اتضح الآن أن مفتشي الأمم المتحدة لديهم معلومات أفضل من أي طرف آخر. على الرئيس الأميركي أن يقطع طريقا طويلا كي يتمتع باسترجاع مصداقية الولايات المتحدة التي لحقها ضرر كبير نتيجة ما حدث.

لن يكون ممكنا تحقيق أي شيء جاد لحل هذه المشكلة ما لم يعترف الرئيس وتينيت بوجود مشاكل مع المعلومات الاستخبارية. كذلك، فإن قيادة قوية في كل وكالات الاستخبارات أمر مطلوب أيضا. وهناك تساؤلات تثار حول ما إذا كان تينيت، الذي يرأس «وكالة الاستخبارات المركزية»، جديرا بأن يكون رئيسا للجنة المكونة من 15 عضوا والمسؤولة عن التنسيق بين عمل كل أجهزة الاستخبارات وفض خلافاتها. كذلك، يبدو أن الوكالات الاستخبارية المختلفة ما زالت لا تنسق بين أعمالها، ولا يتعاون المحللون فيما بينهم عبر كل هذه الوكالات. فهناك بعض الأطراف في هذه الأجهزة، لديها إجابات صحيحة على جوانب تتعلق ببرامج أسلحة الدمار الشامل العراقية. يجب أن نفكر بتعيين مدير عام لكل أجهزة الاستخبارات يكون قادرا على توظيف كل ساعات عمله لمتابعة أنشطة أجهزة الاستخبارات الأميركية، ويكون أكثر حزما في معالجة المشاكل الناجمة عن عدم التعاون السائد بين هذه الوكالات.

وبدلا من الانتظار لعام آخر لتشخيص طبيعة المشاكل، علينا أن نركز على جهودنا الهادفة لتطوير وتنفيذ أفكار مثل هذه مستندة إلى ما نعرفه اليوم. وحاليا، يقوم أعضاء الكونغرس وديفيد كاي وغيرهم، بما هو مطلوب منهم لتحديد المشكلة. وقد حان الوقت لأن يقود الرئيس هذه الجهود الهادفة لحل هذه المشاكل.

* كبيرة النواب الديمقراطيين في اللجنة الدائمة المكلفة بالاستخبارات والتابعة لمجلس النواب.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»