ورثة الإحباط وفقدان الاتجاه

TT

يشعر الجيل الجديد من ابناء الشرق الأوسط بالخوف والقلق. فهم يريدون التعبير عن أنفسهم بحرية، وقول ما يؤمنون به وما يفكرون فيه. وهم يشعرون بأنهم وقعوا في فخ الأفكار القديمة لآبائهم، ويبحثون عن اتجاه ما.

هذه هي الرسالة التي يبعث بها شباب ينتمون إلى الأردن ولبنان وسوريا وإيران، ونقلتها لنا، المخرجة أمل مغيزل في فيلمها «أبناء العشرين عاما في الشرق الأوسط»، الذي قامت بتوزيعه شركة ايكاروس للأفلام الجديدة.

ينبغي ان يشاهد هذا الفيلم القادة والمواطنون على حد سواء، لأنه لا ينقل مشاعر الإحباط واليأس لشباب المنطقة وحسب، بل ويقدم حلولا لهذه المشاكل.

أجرت مغيزل المقابلات بعد شهرين من سقوط بغداد. لذلك، من الطبيعي أن يكون الاحتلال الأميركي للعراق محور ما دار في أذهان العديد من المستجوَبين الشباب.

لكننا نفهم مرارا مما قاله العديد منهم، انهم لم يستطيعوا مناقشة الحرب داخل صفوفهم الدراسية، على الرغم من وقوعها بالقرب من حدود بلادهم، لأن أحاديث سياسية من هذا النوع غير مسموح بها. وقد بات واضحا أن واحدا من اسباب مشاعر الإحباط التي يحملها الشباب في الشرق الأوسط هو عدم قدرتهم على التعبير عن أنفسهم.

قالت رشا، 19عاما: «تمنيت لو أننا أجرينا حوارا مع المدرس والطلبة الآخرين». ورشا مغنية، تسافر فرقتها الموسيقية بانتظام إلى أوروبا. لذلك لم يكن غريبا حينما قالت: « أشعر أنني أهرب إلى عالم غير مفروض علي عندما أغني». وعبرت مجموعة من الطلبة في جامعة لبنانية بالإحباط، لأنهم هم أيضا منِعوا مناقشة الشؤون السياسية داخل صفوفهم، وهذا ما جعلهم يواصلون حواراتهم خارجها. قال أحد الطلاب ساخرا: «نحن نعرف أكثر عن السياسة في الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل مما نعرفه عن السياسة في لبنان».

وفي عالم أصبحت مفردة الديمقراطية تتردد باستمرار، كيف سيهيئ الشباب أنفسهم لكي يكونوا قادة الغد، إذا لم تكن مناقشة السياسة او الحرب ممكنة بالنسبة لهم؟

ثمة كلام كثير يدور حول الإصلاح في العالم العربي، وغالبا ما يكون غامضا، بحيث يكون سهلا علينا ان ننسى أننا اتخذنا بعض الخطوات في هذا المضمار لتهيئة الشباب ليكونوا قادة للمستقبل.

فعلى سبيل المثال، لماذا لا نأخذ بمبدأ انتخاب رئيس للصف في المدارس المتوسطة والثانوية؟ فسيكون ذلك تمرينا جيدا يستطيع الجميع الاستفادة منه. سيكون بإمكان الطلبة الذين يرون في أنفسهم خصائص قيادية أن يديروا المكاتب. وهم سيقومون بتقديم أنفسهم لزملائهم الطلبة، ثم تجرى حملة انتخابية لاختيار ممثلي الصفوف. سيكون بإمكان الطلبة الآخرين الاستماع لبعضهم البعض، وتحديد الشخص الذي سينتخبونه، وسيعلمهم ذلك معنى القوة الانتخابية.

كل الطلبة المعنيين سيتعلمون من هذه التجربة أوليات الممارسة السياسية، قبل أن يصلوا إلى الجامعة. لكن مثل هذا الأمر لا يناقشه الاداريون في الجامعات لكأنه واحد من المحرمات أو الخطايا الفادحة.

تأخذ الحرية عدة أشكال. فهي قادرة على أن تكون مبسطة مثل حرية التعبير أو الإبداع. على سبيل المثال تتحدث سارة، طالبة الفن الإيرانية في الفيلم، عن محدود رؤية مدرِّسها للفن. فهو يطالبهم بالابتعاد عما هو «قبيح». لذلك تشعر سارة وزميلتها هاما بالسعادة حينما يعبرن عن روح الإبداع في استديو للفن خاص بهما، حيث تنقل سارة مشاعر الإحباط التي تعاني منها بسبب العنف السائد في المنطقة إلى أعمالها الفنية. كذلك يمكن تلمس قيمة الإبداع الفني بوضوح، حينما نشاهد الطالب اللبناني كمال، الذي تطوع لتعليم الأطفال الفن في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين. إذ يشعر الأطفال في صفه بالسعادة لقدرتهم على التعبير عن أنفسهم فنيا، بينما يشعر كمال بسعادة واضحة لمساعدته لهم في تحقيق ذلك.

يقودنا هذا الى وسيلة اخرى من وسائل توجيه طاقات الشباب وإعدادهم للمستقبل، وهي العمل الطوعي. لم لا تقام برامج يساعد فيها شباب وشابات من الجنسين، في العقد الثاني من اعمارهم، الاولاد والبنات الأصغر سنا في المواد الدراسية الصعبة، مع توفير اخرى بتقديم نصائح خاصة بالدراسة الجامعية؟ هذا النوع من المساعدة يمكن ان يؤدي الى تعليم الشباب والشابات مهارات القيادة، فضلا عن انه يغرس في الأولاد والبنات الرغبة في العمل الطوعي بغرض مساعدة الغير.

القي على كمال، الشاب الذي كان يعمل متطوعا في صبرا وشاتيلا، القبض في لحظة صعبة، حيث نشاهده في الفيلم، وهو يستمع الى والده يحكي له عن حروب اعوام 1948 و1967 و1982. من الواضح ان هذا الشاب كان يحب والده ويحترم كل ما فعله من اجله. لكنه يدرك ايضا، مدى احساس والده بخيبة الامل بسبب الهزائم في معظم هذه الحروب.

يقول كمال: «نريد التغيير حتى لا تكون الحرب قد ضاعت سدى... نفتقر الآن للمثل والمبادئ. الاسطورة العربية في تدهور وتراجع... لا نعرف أين نبحث عن مرجعية.. اننا ضائعون».

بالاضافة الى هذه الشكوى حول الافتقار الى الاتجاه الصحيح، يعبر كثير من الشباب في الفيلم، عن خوف من المستقبل. ربما لا يكون هذا مفاجئا في ظل عدم ابداء حكومات بلادهم اهتماما كافيا بهمومهم ومخاوفهم، في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة مقبلة على المزيد من التدخل في المنطقة.

تقول دينا، وهي طالبة مصرية تدرس في بيروت، انها تشعر بالقلق ازاء احتمال فشلها في الزواج وتكوين اسرة، بسبب الخوف من الحرب والموت والدمار، على حد قولها.

ثمة مخاوف حقيقية ينبغي على العالم العربي الاهتمام بها. اذا استمر العالم العربي في تجاهل مخاوف وأمنيات شبابه، فإنه اما ان يخسرهم في نهاية الامر، من خلال لجوئهم الى الهجرة الى دول اخرى، او سيحكم على من يبقى منهم في البلاد بمستقبل يتصف بالركود والإحباط، العالم العربي لا يحتمل أيا من هاتين النتيجتين.

طبقا للاحصائيات الواردة في تقرير التنمية البشرية لعام 2002، فإن العالم العربي يعد اكثر منطقة فيها نسبة كبيرة من الشباب (38 من سكان العالم العربي من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 14 عاما).

وأظهرت نتائج استطلاع أجراه عام 2001، فريق التنمية البشرية في العالم العربي، ان الوظائف والتعليم يتصدران قائمة اهتمامات من تتراوح اعمارهم بين 13 و20 عاما. كما اظهرت النتائج ايضا ان نصف عدد الشباب العرب الذين شملهم الاستطلاع، يرغبون في الهجرة الى دول اخرى، وعلى وجه الخصوص الدول الصناعية خارج منطقة الشرق الاوسط.

وينطق بدر، الطالب بالجامعة الاردنية، بأكثر العبارات حزنا في الفيلم إذ يخبر آمال قائلا: «احلامي في مكان آخر. هذا المكان فيه الكثير من العقبات». يقول بدر ايضا: « نشعر بالخجل ان نقول نحن عرب... نحلم بيوم نصبح فيه فخورين بهويتنا. تمنيت ان تكون امي ولدتني في فرنسا أو لندن أو أميركا، حتى تكون لي جنسية اخرى. عند ذلك سأكون محترما... ليس لأنني بدر، ولكن بسبب جواز سفري».

من المؤلم حقا، ان نسمع هذا الحديث من شاب في العقد الثاني من عمره، كما من المحزن ايضا، ان نسمع اقرانه في الفيلم يعبرون، على نحو متكرر، عن احباطهم ازاء عدم وجود ما يمكنهم عمله كي يجعلوا حياتهم افضل. لا شك ان هذا اليأس والإحباط نابعان من خنق افكارهم وقوتهم الدافعة.

الاستماع الى هنية، وهي طالبة في طهران، كان مبعث تشجيع وأمل. تحدثت فقالت: «اريد ان اناضل لاستعادة الحرية التي سلبت قبل عدة سنوات. اريد ان تكون هناك حرية تعبير، وأريد ان أتأكد من انه ليس هناك ما يدين هذه الحرية».

نتذكر بالطبع، ان اصوات الشباب والنساء على وجه الخصوص، هي التي اوصلت الرئيس محمد خاتمي الى الرئاسة. والامر المثير للاهتمام، هو ان اكثر الشخصيات تمسكا ومطالبة بالتغيير وسط الذين استطلعت اراؤهم في الفيلم، كانت بنتا من جيل الشباب. ليس مهما ما اذا كانت هذه الشابة ستحقق احلامها، ذلك ان مجرد شعورها بالرغبة في تحقيق هذا الحلم وإحداث التغيير هو امر اكثر اهمية. تمثل هنية الجوانب الثلاثة المهمة واللازمة لتحقيق أي تنمية، حسبما ورد في تقرير التنمية البشرية، أي المعرفة (هنية طالبة)، والحرية (ترغب في النضال من اجل الحريات من خلال كتاباتها)، والقوة العاملة النسائية (هنية شابة متعلمة من المفترض ان تنضم الى القوة العاملة). ربما لا تكون هنية عربية، لكنها تمثل بالتأكيد نموذجا ايجابيا يمكن ان نتبعه.

* كاتبة مصرية مقيمة في نيويورك