زرع.. حصد.. أهدر

TT

منذ سنوات قررت السعودية الدخول بثقل كبير وبقوة هائلة في مجال الزراعة، وجعلها جزءا واضحا من تركيبتها الاقتصادية الكبرى. وبصرف النظر عما يمكن قوله في هذا القرار، إلا انه شكل انعكاسات مهمة على مخزون المياه الاستراتيجي للبلاد كانت نتيجته أزمة مياه خانقة ومشكلة مزمنة.

والمطلوب مراجعة موضوعية وحقيقية وجادة جدا لجدوى الاستمرار في زراعة القمح في بلادنا ومدى الاستفادة من ذلك. دراسة تقيس وتقدم الأدلة عن الفائدة المجنية في تكملة مسيرة زراعة القمح الذي يستهلك الكم المائي المهول، أو توجيه هذا الجهد لغير ذلك. والحديث عن الزراعة كقطاع ومدى الاستفادة الوطنية منه يجب أن يتضمن قدرة هذا القطاع على توظيف السعوديين بأعداد كبيرة حيث أن الاولويات الاقتصادية يجب أن توجه نحو القطاعات القادرة على التوظيف دون غيرها. وتناول الشأن الزراعي سيوصلنا للمياه بطبيعة الحال.

وضع المياه في السعودية اليوم وغدا أقل ما يمكن أن يوصف به أنه وضع دقيق وحرج. والسعوديون تعودوا ولسنوات طويلة على ثقافة وفكر الهدر، صرف وتوسعة بلا حدود ولا مسؤولية متناسين دورهم في الحفاظ على ما تيسر من موارد بحسن ادارة وارشاد لأجيال الغد القادمة. وحديث المياه ليس بجديد على ساحة الرأي السعودية، وان كان مؤخرا انتقل من شأن تنموي واقتصادي بحت وخالص الى شأن اجتماعي. هناك العديد من الآراء التي قدمت والحلول التي اقترحت، بعض منها كان أقرب الى الخيال العلمي وآخر الى الخيال المالي والكثير منه الى الأدبيات الاقتصادية التي تتداول من باب الترفيه الفكري. وقد يكون من المفيد طرح فكرتين هنا وسط الافكار الأخرى التي قدمت.

الأولى تتعلق بباب الترشيد والتوفير في استهلاك المياه. هناك صور كثيرة مهدرة للمياه في تصرفات كثير من السعوديين، كطريقة ري الحدائق وغسيل المنازل والسيارات... الخ. ومثال على ذلك، في منتصف الثمانينات الميلادية الماضية اخترع أحد المهندسين السعوديين كرسيا للوضوء يستهلك 40% فقط من كمية الوضوء المتوسطة التي يستخدمها الانسان العادي ولكن مع الأسف لم يعمم هذا الاقتراح على مساجد البلاد.

وفي هذا السياق هل من الممكن اعادة النظر في الموقف من تحريم استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة والمدورة للوضوء، على اعتبار انها تستخدم في اوروبا والشرق الاقصى وأميركا الشمالية واستراليا للشرب والاستحمام والطهي من دون اية آثار جانبية؟ ولنا أن نتخيل جميعا كيف أن قراءة جديدة لهذا الأمر المبني على وقائع صحية وعلمية دقيقة (وهي متوفرة) ستمكن من اعادة النظر في الموقف من تحريم استخدام تلك المياه.

أما فيما يخص الجانب الآخر من معادلة المياه وهي العرض أي توفير الماء نفسه، فهناك العديد من ناقلات النفط العملاقة التي تورد النفط لدول اميركا الشمالية تحديدا وتعود، لماذا لا تفرغ الناقلة نفطها وتملأ بالمياه العذبة وتفرغ في مخزون استراتيجي بالسعودية؟ في هذه الحالة تتحقق المعادلة الاقتصادية المتكاملة وتعزز العلاقة ما بين شركات الزيت والنقل والبلد المشترى مع السعودية وتصبح لديهم رغبة أخرى وجديدة للاستمرار في استيراد الزيت السعودي وبيع المياه لها أيضا.

هي مجرد أفكار نتجت من وضع حرج ودقيق اصاب أحد أهم مقومات الحياة. ونحن بحاجة جميعا أن نعمل سويا للخروج من هذا المأزق الذي تورطنا فيه. الاقتصاد الزراعي أفاد مجموعة محدودة للغاية ونتيجته أن هلك مخزون المياه فتضرر الجميع، وهذه كارثة تتطلب التكاتف لحل متكامل يفيد الكل، حتى لو تضرر البعض منه.